لقد أصبح من غير المنطقي تجاهل الوجود السلفي في الشارع المصري ، ذاك الوجود الذي ظل المجتمع يتجاهل انتشاره عن عمد بحجة أنه لن يزيد خرق السفينة خرقاً آخر أو كعادة المصريين لا يتحركون لمواجهة الأخطار التي تهددهم حتى لو تفاقمت وناطحت برأسها عنان السماء ، حتى أضحى هذا الوجود عاموداً أساسيا في البيت المصري له قنوات فضائية وجرائد ولجان وفئات عريضة من الشعب تؤمن به وتمثله أيما تمثيل .
لن أعود إلى إرهاصات الوجود السلفي في مصر وتأريخه بالتحديد لأن هذا لن يفيد كما أنه لن يفيد أن أنسب هذا الوجود إلى الوهابية في السعودية وتأثيرها على الجاليات المصرية المقيمة هناك فهذا النسب على إطلاقه نسب باطل بالرغم من أنه قد يكون أحد الأسباب ، فالسلفية أو الوهابية باختصار شديد هي موجودة منذ وفاة الرسول وتختفي وتتجدد في جنبات الدولة الإسلامية على مر العصور .
إن السبب الحقيقي والمهم في انتشار السلفية في أي مجتمع هي ذاك الإغراء الشديد الذي يميز هذا المنهج ، فالمنهج السلفي يمتاز بأنه علمي لأقصى درجة ، تعتمد كتبه ومحاضراته على أشد الكلام توثيقاً عن النبي والصحابة ، لذا فإنه بمجرد التحدث مع أي مسلم عن منهج السلفية فإنه سرعان ما يستسلم لقوة الحجة التي تنتسب بعرى وثيقة إلى ما قاله الله وقاله الرسول .
قد يتساءل البعض إذاً أين تكمن خطورة المنهج السلفي كما ذكرت أنا سالفاً في المقدمة إذا ما كانت السلفية هي النهج الوحيد في التيارات والمذاهب الفكرية الإسلامية الذي يتميز بالعلمية والدقة الشديدة لما ينسب إلى الله ورسوله ؟!
إن الخطورة تكمن في سببين اثنين أولهما أن المجتمع المصري بصفة خاصة غير مؤهل بتاتاً لاستيعاب الفكر السلفي بهيئته الحالية مما يتسبب في عزوف الكثيرين عن خط التدين والنفور منه أو الغلو الشديد ، فالمجتمع المصري مجتمع تكونه العديد من العادات والتقاليد والثقافات تكونت بشكل تراكمي منذ عشرات أو مئات السنين وهي في مجملها قد تخالف المنهج السلفي في كثير من الأشياء مما يؤدي إلى صدمة نفسية هائلة عند المتلقي للفكر السلفي بأن كل ما تربى عليه ونشأ فيه ورآه حوله هو مخالف لتعاليم الدين الإسلامي ، مما يؤدي إلى رفضه الفكر بشكل كامل والاستمرار في الإطار الاجتماعي الذي نشأ فيه ، أو الرضوخ لإغراءات هذا النهج العلمي الموثق لما قاله الله والرسول والصحابة ، فيتحول إلى حالة عداء شديدة تجاه المجتمع من حوله قد تحوله إلى الشكل السلبي من السلفية وهي السلفية التكفيرية .
السبب الثاني في خطورة انتشار النهج السلفي في مصر هي فئة المتداولون والمعتنقون لهذا النهج ، فهي فئة يتشكل هيكلها الأساسي من الدرجات الدنيا في المجتمع المصري من العقول والأشخاص ، فهذه الفئة بغريزتها التي نمت فيها نتيجة تأثرها بالوسط الاجتماعي من حولها تريد فعل أي شيء للخلاص من ويلات الفقر والجهل الذي تعيش فيه لذا فهي تعتنق المنهج السلفي بسرعة شديدة لاعتقادها بأن هذا هو طريق رضا الله ومن ثم الخلاص من مأساة الفقر بدعاء مستجاب بما أنه أصبح من الفئة المقربة للرب ، أو تلجأ للحل الأسهل وهو الرضا والاستكانة إلى حالتهم الاجتماعية البائسة بحجة الباقيات الصالحات خير عند ربك وأن الدنيا للكافر والآخرة للمسلم وغيرها من المسكنات، إن خطورة التداول للمنهج السلفي بين هذه الفئة يكمن في جهلهم الشديد بكل ما يتعلق بالعلوم الشرعية من حيث اللغة والحديث والتفسير والنحو والأدب إلخ .. ، فتجدهم سرعان ما يطلقون الفتاوى دون حسيب أو رقيب بما أنهم الفئة المختارة وصفوة الثلاثة وسبعون شعبة المبشرون بالجنة دون غيرهم ، وهذه التصرفات اللامسئولة من تلك الفئة يهدد بشكل موسع الاستقرار الديني للنسيج الإسلامي بالمجتمع المصري الممزق من الأساس بين إخوان وصوفية وسنة وقليل من الشيعة ناهيك عن العداوة الشديدة بين السلفيين بعضهم البعض واتهاماتهم المتبادلة بالتبديع والنفاق والجهل هذا غير فن القدح في العلماء .
يحضرني هنا حادثة صغيرة حدثت معي من قبل وهي نقاشي مع رجل سلفي سعودي الجنسية حول الأثر السلبي للوجود السلفي في مصر عبر أربعين سنة فقال لي : هل تعلم ما هي مشكلتكم في مصر ؟ ..قلت له : ما هي ؟ ..قال لي : أنكم تأخذون أحكامكم من النص دون تأويل أو فهم لأبعاد هذا النص وما قيل فيه من قبل مما يشوه صورة المنهج السلفي بصفة عامة ..قلت له : لم أستطع فهم ما قلته ! ..قال لي : ما تفسيرك لقول رسول الله ( سباب المسلم فسوق وقتاله كفر ) ؟ ..سكت لبرهة ثم أجبته قائلاً : أن من يسب مسلماً فهو فاسق ومن تشاجر مع مسلم أو حاربه فهو كافر .. فقال لي : إن هذا ما أتحدث عنه ، أنكم تفسرون النص كما هو دون فهم لأبعاده ..فقلت له مستنكراً : وهل هناك تفسير آخر له ؟! ..قال لي : ماذا تعلم عن الفسوق الأكبر والفسوق الأصغر والكفر دون كفر وتطرق إلى شرح طويل في مسائل عقدية لا داعي للحديث عنها أثبتت لي خطر التداول للمسائل الفقهية والعقدية بين أيدي الجهلة .
كما أن الجزء الأخطر في انتشار السلفية في المجتمع المصري هو تسببها في هدم أولويات كثيرة يجب أن تضع في حسبان المجتمع المصري من أجل مستقبله مثل التقدم العلمي وحقوق الإنسان ومكافحة الفقر والفساد ومواجهة الخطر الإقليمي لكل من إسرائيل وأمريكا وحلفائهم وغيرها من المشاكل التي تعصف بمجتمعنا المصري منذ فترة طويلة ، حيث نجد أن السلفيين يستبدلون هذه الأولويات بالحديث ليل نهار عن وجوب اللحية وتقصير الثوب وهل النقاب فرض أم فضل وغيرها من المسائل التي لن تزيد في تقدم البشرية قيد أنملة .
ويعود ذلك بمنتهى البساطة إلى سبب بسيط وهي الفئة المتداولة لهذا النهج ، فهي فئة نشأت في جهل ثقافي أو تخلف علمي أو كليهما ، مما أدى بها إلى الحديث عن تلك الأمور الصغيرة وترك الحديث عن مشاكل الأمة ، وكمثال بسيط على ذلك سأطرح سؤالاً بسيطاً ، هل سيختلف الخطاب السلفي في مصر إذا ما كان شيوخه من نوعية المفكر فهمي هويدي أو المغفور له إن شاء الله الدكتور / عبد الوهاب المسيري أم لن يختلف ؟!
بالتأكيد فإن لغة الخطاب ستختلف بدرجة كبيرة وهائلة لأن مثل أولئك الأشخاص المثقفون بدرجة كبيرة عاشوا وتعايشوا مع هموم الأمة لعشرات السنين ولم يطفوا فجأة على وجه المجتمع قادمين من أعماق قيعانه الفكرية والاجتماعية ليبدؤوا في توجيه الناس إلى سلوكيات وأهداف أقل ما يقال عنها أنها متخلفة .
إن السلفيين الجدد كما أحب أن أطلق عليهم هم أول معول يقوم بهدم السلفية في مصر لأن أسلوبهم الدعوي والفكر المطروح في خطابهم هي أشياء عاف عليها الزمن ومهما استقطبت من المصريين فهي لن تستقطب أشخاصاً ذوي قيمة فكرية ومكانة علمية واجتماعية مرموقة تكون رمزاً لهم وتنهض بهم ، وساعد على ذلك الإعلام المصري بكل أصنافه الذي يهاجم السلفية كثيراً بشكل تهكمي ساخر مما ولد قناعة لدى الكثيرين بخطأ هذا النهج وولد قناعة وعزيمة مضادة في نفوس السلفيين بمواجهة المجتمع بفكرهم بشكل أكثر عدوانية .
لذا فأنا أدعو السلفيين الجدد إلى إعادة النظر والتأمل في الأسلوب الدعوي للنبي صلى الله عليه وسلم وإلى إعادة النظر في حكمة التنزيل المتدرج للشريعة الإسلامية من رب العزة ، فالنبي لم يبدأ دعوته للإسلام وسط مكة بوجوب اللحية وفرضية النقاب ، وكذلك رب العزة لم يحرم الخمر إلا على أربعة مراحل .
وبالقياس على واقعنا الحالي فإنه يجب التدرج والتأني بشدة في دعوة المصريين للمنهج السلفي ، فنحن في مجتمع مارس بعض المحرمات لفترة طويلة من الزمن حتى استحلها ثم مارسها أكثر حتى ظنها من الدين ، لذا إن الخطاب الدعوي المبني على مبدأ الصدمة هو خطاب كارثي ، وأسلوب من ليس معنا فهو ضدنا والتفكير الاقصائي الذي يعتنقه أغلب السلفيين هو أسلوب منفر ومستفز لمشاعر الآخرين ، والأخطر من ذلك هو تجاهل مشاكل المجتمع الحقيقية والتركيز في فرعيات الفرعيات لفرعيات ليس لها قيمة في الوقت الحالي .
التجديد في الخطاب السلفي المصري بصفة خاصة هو مطلب حقيقي وملح من باقي أفراد الشعب المصري وليس المعني بتجديد الخطاب الديني هو تحليل المحرمات كما يريد بعض العلمانيين الجدد بل هو الارتقاء بمستوى الخطاب الديني ليناقش مشاكل الأمة الحقيقية وكيفية النهوض ببلادنا، فليس من المعقول في ظل ما تعيشه مصر تحت حكم استبدادي فاجر وفي ظل العولمة أن نتحدث عن وجوب الطاعة العمياء لولي الأمر وأمير المؤمنين وتقديم النصح له في السر ، فهذا هو الجنون بعينه أن نتصور أن رئيس جمهورية مصر العربية هو أمير للمؤمنين ، وأنه ولي أمر لشعب اصطفاه دون غيره ، وأنه إذا ما تقدم شخص ما ناحية القصر الجمهوري وسأله حراس القصر الأشداء عن سبب قدومه ناحية هذا الباب فيجيبهم ببساطة أنه قادم لنصح أمير المؤمنين ، حينها فإن أول شيء سيفعلوه ليس الترحيب به بل جعل بطنه مصفاة متعددة الفتحات من هول مما سيتعرض له من إطلاق الرصاص .
ليس من المعقول أن يتحدث العالم عن تلقيح السماء بالغيوم لإنزال المطر ويتحدث عن مشاكل الفقر وأزمة الغذاء العالمي ووضع الحلول لها وقضايا الإنجاب والاستنساخ وتحديد النسل وأن يكون حلنا لكل هذه القضايا هو الاستغفار ، فهذا قمة التحقير للعلم وللدين ، نعم أنا لا أنكر الجانب الديني للنهوض بالأمة لكن ليس التدين هو حل الأمة ، فلم يخلق الله المسلمين ليكونوا دراويشاً أو ملائكة ! .
ليس من المعقول أن يتم الزج بكثير من المصريين في غياهب المعتقلات والسجون من أجل محاولتهم النهوض بهذا الوطن وإزاحة الفاسدين الجاثمين على صدره ويقوم السلفيين بالتمسك بطاعة ولي الأمر .
ليس من المعقول أن يتم التعامل مع معطيات السياسة والتحالفات الدولية بهذه السطحية والسذاجة عندما نرفض التعاون مع حزب الله ضد إسرائيل بحجة أن حزب الله شيعي ، ورفض إيران كدولة صديقة قوية لأنها راعية المذهب الشيعي في العالم ورفض التعاون مع الدول الغربية والاستفادة من خبراتها في تحقيق النجاحات في المجالات المختلفة بحجة أنها دول كافرة وكل ما يأتينا منها هو باطل وأننا على جهلنا وتخلفنا أفضل منهم .
وعليه فإن الشكل الحالي للسلفيين هو خطر حقيقي يهدد مستقبل هذا الوطن ويجب توعية هذا التيار ومحاولة تصويب مساره كي يكونوا فئة إيجابية مثل السلف الصالح الحقيقي أبي بكر وعمر وأحمد بن حنبل والشافعي وابن تيمية والنووي وغيرهم .
فكل عصر له متطلباته وأدواته ، ويجب على السلفيين القبول بهذه المتطلبات واستخدام تلك الأدوات وإلا لن يساووا أكثر من قبيلة من العرايا في منتصف غابات إفريقيا يرقصون بالرماح ويأكلون بعضهم البعض .
لن أعود إلى إرهاصات الوجود السلفي في مصر وتأريخه بالتحديد لأن هذا لن يفيد كما أنه لن يفيد أن أنسب هذا الوجود إلى الوهابية في السعودية وتأثيرها على الجاليات المصرية المقيمة هناك فهذا النسب على إطلاقه نسب باطل بالرغم من أنه قد يكون أحد الأسباب ، فالسلفية أو الوهابية باختصار شديد هي موجودة منذ وفاة الرسول وتختفي وتتجدد في جنبات الدولة الإسلامية على مر العصور .
إن السبب الحقيقي والمهم في انتشار السلفية في أي مجتمع هي ذاك الإغراء الشديد الذي يميز هذا المنهج ، فالمنهج السلفي يمتاز بأنه علمي لأقصى درجة ، تعتمد كتبه ومحاضراته على أشد الكلام توثيقاً عن النبي والصحابة ، لذا فإنه بمجرد التحدث مع أي مسلم عن منهج السلفية فإنه سرعان ما يستسلم لقوة الحجة التي تنتسب بعرى وثيقة إلى ما قاله الله وقاله الرسول .
قد يتساءل البعض إذاً أين تكمن خطورة المنهج السلفي كما ذكرت أنا سالفاً في المقدمة إذا ما كانت السلفية هي النهج الوحيد في التيارات والمذاهب الفكرية الإسلامية الذي يتميز بالعلمية والدقة الشديدة لما ينسب إلى الله ورسوله ؟!
إن الخطورة تكمن في سببين اثنين أولهما أن المجتمع المصري بصفة خاصة غير مؤهل بتاتاً لاستيعاب الفكر السلفي بهيئته الحالية مما يتسبب في عزوف الكثيرين عن خط التدين والنفور منه أو الغلو الشديد ، فالمجتمع المصري مجتمع تكونه العديد من العادات والتقاليد والثقافات تكونت بشكل تراكمي منذ عشرات أو مئات السنين وهي في مجملها قد تخالف المنهج السلفي في كثير من الأشياء مما يؤدي إلى صدمة نفسية هائلة عند المتلقي للفكر السلفي بأن كل ما تربى عليه ونشأ فيه ورآه حوله هو مخالف لتعاليم الدين الإسلامي ، مما يؤدي إلى رفضه الفكر بشكل كامل والاستمرار في الإطار الاجتماعي الذي نشأ فيه ، أو الرضوخ لإغراءات هذا النهج العلمي الموثق لما قاله الله والرسول والصحابة ، فيتحول إلى حالة عداء شديدة تجاه المجتمع من حوله قد تحوله إلى الشكل السلبي من السلفية وهي السلفية التكفيرية .
السبب الثاني في خطورة انتشار النهج السلفي في مصر هي فئة المتداولون والمعتنقون لهذا النهج ، فهي فئة يتشكل هيكلها الأساسي من الدرجات الدنيا في المجتمع المصري من العقول والأشخاص ، فهذه الفئة بغريزتها التي نمت فيها نتيجة تأثرها بالوسط الاجتماعي من حولها تريد فعل أي شيء للخلاص من ويلات الفقر والجهل الذي تعيش فيه لذا فهي تعتنق المنهج السلفي بسرعة شديدة لاعتقادها بأن هذا هو طريق رضا الله ومن ثم الخلاص من مأساة الفقر بدعاء مستجاب بما أنه أصبح من الفئة المقربة للرب ، أو تلجأ للحل الأسهل وهو الرضا والاستكانة إلى حالتهم الاجتماعية البائسة بحجة الباقيات الصالحات خير عند ربك وأن الدنيا للكافر والآخرة للمسلم وغيرها من المسكنات، إن خطورة التداول للمنهج السلفي بين هذه الفئة يكمن في جهلهم الشديد بكل ما يتعلق بالعلوم الشرعية من حيث اللغة والحديث والتفسير والنحو والأدب إلخ .. ، فتجدهم سرعان ما يطلقون الفتاوى دون حسيب أو رقيب بما أنهم الفئة المختارة وصفوة الثلاثة وسبعون شعبة المبشرون بالجنة دون غيرهم ، وهذه التصرفات اللامسئولة من تلك الفئة يهدد بشكل موسع الاستقرار الديني للنسيج الإسلامي بالمجتمع المصري الممزق من الأساس بين إخوان وصوفية وسنة وقليل من الشيعة ناهيك عن العداوة الشديدة بين السلفيين بعضهم البعض واتهاماتهم المتبادلة بالتبديع والنفاق والجهل هذا غير فن القدح في العلماء .
يحضرني هنا حادثة صغيرة حدثت معي من قبل وهي نقاشي مع رجل سلفي سعودي الجنسية حول الأثر السلبي للوجود السلفي في مصر عبر أربعين سنة فقال لي : هل تعلم ما هي مشكلتكم في مصر ؟ ..قلت له : ما هي ؟ ..قال لي : أنكم تأخذون أحكامكم من النص دون تأويل أو فهم لأبعاد هذا النص وما قيل فيه من قبل مما يشوه صورة المنهج السلفي بصفة عامة ..قلت له : لم أستطع فهم ما قلته ! ..قال لي : ما تفسيرك لقول رسول الله ( سباب المسلم فسوق وقتاله كفر ) ؟ ..سكت لبرهة ثم أجبته قائلاً : أن من يسب مسلماً فهو فاسق ومن تشاجر مع مسلم أو حاربه فهو كافر .. فقال لي : إن هذا ما أتحدث عنه ، أنكم تفسرون النص كما هو دون فهم لأبعاده ..فقلت له مستنكراً : وهل هناك تفسير آخر له ؟! ..قال لي : ماذا تعلم عن الفسوق الأكبر والفسوق الأصغر والكفر دون كفر وتطرق إلى شرح طويل في مسائل عقدية لا داعي للحديث عنها أثبتت لي خطر التداول للمسائل الفقهية والعقدية بين أيدي الجهلة .
كما أن الجزء الأخطر في انتشار السلفية في المجتمع المصري هو تسببها في هدم أولويات كثيرة يجب أن تضع في حسبان المجتمع المصري من أجل مستقبله مثل التقدم العلمي وحقوق الإنسان ومكافحة الفقر والفساد ومواجهة الخطر الإقليمي لكل من إسرائيل وأمريكا وحلفائهم وغيرها من المشاكل التي تعصف بمجتمعنا المصري منذ فترة طويلة ، حيث نجد أن السلفيين يستبدلون هذه الأولويات بالحديث ليل نهار عن وجوب اللحية وتقصير الثوب وهل النقاب فرض أم فضل وغيرها من المسائل التي لن تزيد في تقدم البشرية قيد أنملة .
ويعود ذلك بمنتهى البساطة إلى سبب بسيط وهي الفئة المتداولة لهذا النهج ، فهي فئة نشأت في جهل ثقافي أو تخلف علمي أو كليهما ، مما أدى بها إلى الحديث عن تلك الأمور الصغيرة وترك الحديث عن مشاكل الأمة ، وكمثال بسيط على ذلك سأطرح سؤالاً بسيطاً ، هل سيختلف الخطاب السلفي في مصر إذا ما كان شيوخه من نوعية المفكر فهمي هويدي أو المغفور له إن شاء الله الدكتور / عبد الوهاب المسيري أم لن يختلف ؟!
بالتأكيد فإن لغة الخطاب ستختلف بدرجة كبيرة وهائلة لأن مثل أولئك الأشخاص المثقفون بدرجة كبيرة عاشوا وتعايشوا مع هموم الأمة لعشرات السنين ولم يطفوا فجأة على وجه المجتمع قادمين من أعماق قيعانه الفكرية والاجتماعية ليبدؤوا في توجيه الناس إلى سلوكيات وأهداف أقل ما يقال عنها أنها متخلفة .
إن السلفيين الجدد كما أحب أن أطلق عليهم هم أول معول يقوم بهدم السلفية في مصر لأن أسلوبهم الدعوي والفكر المطروح في خطابهم هي أشياء عاف عليها الزمن ومهما استقطبت من المصريين فهي لن تستقطب أشخاصاً ذوي قيمة فكرية ومكانة علمية واجتماعية مرموقة تكون رمزاً لهم وتنهض بهم ، وساعد على ذلك الإعلام المصري بكل أصنافه الذي يهاجم السلفية كثيراً بشكل تهكمي ساخر مما ولد قناعة لدى الكثيرين بخطأ هذا النهج وولد قناعة وعزيمة مضادة في نفوس السلفيين بمواجهة المجتمع بفكرهم بشكل أكثر عدوانية .
لذا فأنا أدعو السلفيين الجدد إلى إعادة النظر والتأمل في الأسلوب الدعوي للنبي صلى الله عليه وسلم وإلى إعادة النظر في حكمة التنزيل المتدرج للشريعة الإسلامية من رب العزة ، فالنبي لم يبدأ دعوته للإسلام وسط مكة بوجوب اللحية وفرضية النقاب ، وكذلك رب العزة لم يحرم الخمر إلا على أربعة مراحل .
وبالقياس على واقعنا الحالي فإنه يجب التدرج والتأني بشدة في دعوة المصريين للمنهج السلفي ، فنحن في مجتمع مارس بعض المحرمات لفترة طويلة من الزمن حتى استحلها ثم مارسها أكثر حتى ظنها من الدين ، لذا إن الخطاب الدعوي المبني على مبدأ الصدمة هو خطاب كارثي ، وأسلوب من ليس معنا فهو ضدنا والتفكير الاقصائي الذي يعتنقه أغلب السلفيين هو أسلوب منفر ومستفز لمشاعر الآخرين ، والأخطر من ذلك هو تجاهل مشاكل المجتمع الحقيقية والتركيز في فرعيات الفرعيات لفرعيات ليس لها قيمة في الوقت الحالي .
التجديد في الخطاب السلفي المصري بصفة خاصة هو مطلب حقيقي وملح من باقي أفراد الشعب المصري وليس المعني بتجديد الخطاب الديني هو تحليل المحرمات كما يريد بعض العلمانيين الجدد بل هو الارتقاء بمستوى الخطاب الديني ليناقش مشاكل الأمة الحقيقية وكيفية النهوض ببلادنا، فليس من المعقول في ظل ما تعيشه مصر تحت حكم استبدادي فاجر وفي ظل العولمة أن نتحدث عن وجوب الطاعة العمياء لولي الأمر وأمير المؤمنين وتقديم النصح له في السر ، فهذا هو الجنون بعينه أن نتصور أن رئيس جمهورية مصر العربية هو أمير للمؤمنين ، وأنه ولي أمر لشعب اصطفاه دون غيره ، وأنه إذا ما تقدم شخص ما ناحية القصر الجمهوري وسأله حراس القصر الأشداء عن سبب قدومه ناحية هذا الباب فيجيبهم ببساطة أنه قادم لنصح أمير المؤمنين ، حينها فإن أول شيء سيفعلوه ليس الترحيب به بل جعل بطنه مصفاة متعددة الفتحات من هول مما سيتعرض له من إطلاق الرصاص .
ليس من المعقول أن يتحدث العالم عن تلقيح السماء بالغيوم لإنزال المطر ويتحدث عن مشاكل الفقر وأزمة الغذاء العالمي ووضع الحلول لها وقضايا الإنجاب والاستنساخ وتحديد النسل وأن يكون حلنا لكل هذه القضايا هو الاستغفار ، فهذا قمة التحقير للعلم وللدين ، نعم أنا لا أنكر الجانب الديني للنهوض بالأمة لكن ليس التدين هو حل الأمة ، فلم يخلق الله المسلمين ليكونوا دراويشاً أو ملائكة ! .
ليس من المعقول أن يتم الزج بكثير من المصريين في غياهب المعتقلات والسجون من أجل محاولتهم النهوض بهذا الوطن وإزاحة الفاسدين الجاثمين على صدره ويقوم السلفيين بالتمسك بطاعة ولي الأمر .
ليس من المعقول أن يتم التعامل مع معطيات السياسة والتحالفات الدولية بهذه السطحية والسذاجة عندما نرفض التعاون مع حزب الله ضد إسرائيل بحجة أن حزب الله شيعي ، ورفض إيران كدولة صديقة قوية لأنها راعية المذهب الشيعي في العالم ورفض التعاون مع الدول الغربية والاستفادة من خبراتها في تحقيق النجاحات في المجالات المختلفة بحجة أنها دول كافرة وكل ما يأتينا منها هو باطل وأننا على جهلنا وتخلفنا أفضل منهم .
وعليه فإن الشكل الحالي للسلفيين هو خطر حقيقي يهدد مستقبل هذا الوطن ويجب توعية هذا التيار ومحاولة تصويب مساره كي يكونوا فئة إيجابية مثل السلف الصالح الحقيقي أبي بكر وعمر وأحمد بن حنبل والشافعي وابن تيمية والنووي وغيرهم .
فكل عصر له متطلباته وأدواته ، ويجب على السلفيين القبول بهذه المتطلبات واستخدام تلك الأدوات وإلا لن يساووا أكثر من قبيلة من العرايا في منتصف غابات إفريقيا يرقصون بالرماح ويأكلون بعضهم البعض .
هناك 4 تعليقات:
الأخ الفاضل
يبدو ان موضوعك في المنتدى تم أغلاقه قبل ان اكمل مشاركتي
أستميحك عذرا فانت تعلم من الصعب إيجاد وقت في رمضان و ان وجد فأفضل الاستراحة قليلا و أعدك بأكمال الحديث هنا انشاء الله ( لو ظل الموضوع مغلق ) قبل ان ندخل ف العشر الأواخر
و الله الموفق
تحت امرك ياغالي وتشرف في اي وقت ..
الفكر السلفى علمى لاقصى درجه....خساره..!!!!
متهيألي يا عجوز انا وضحت في المقالة معنى ايه علمي لاقصى درجة ..
علمي مش فيزياء ورياضيات ..علمي يعني بينقل صح جدا عن الله والرسول والصحابة..هاتلي مذهب غير السلفية بينقل عن الله والرسول والصاحبة بنفس هذه الدقة ؟!
مستحيل
اما التنفيذ من شيوخهم فهو ابعد ما يكون عن الواقعية والمنطقية ..
وده انا موضحه في المقال
إرسال تعليق