الاثنين، 8 سبتمبر 2008

العلمانيون الجدد

تحت العديد من المسميات يعيشون ، وجودهم ملحوظ لا تغفله عين ، لا يكاد أن يخلو من حضورهم أي تجمع ثقافي وسياسي حتى ولو كان هذا التجمع في دهاليز الانترنت التي يختبئون فيها .
إنهم يطلقون على أنفسهم لقب العلمانيون ، التنويريون ، دعاة التحرر ، حماة حقوق الإنسان ، نُساك العدل ومريديه ، والعديد من المسميات التي لا حصر لها والتي قد تعمي الأبصار من وهج بريقها ، فهم يتفننون في انتقاء الأسماء والدعاية لأنفسهم عن طريقها والتأكيد في كل مرة يتحدثون بها أنهم كذلك حتى تتولد عقيدة لدى المتلقي بأنهم المخلصون الحقيقيون للبشر من ويلات التيارات الفكرية المختلفة المتخلفة .
سأحاول هنا استعراض بعض مظاهر تلك الفئة التي بدأت تنتشر بشكل خطير داخل مستويات المثقفين المصريين وإن لم تؤثر بهم فهي ترغمهم على البقاء في طرف الحياد بممارسة الإرهاب الفكري الذي يمتازون به عن طريق اتهامات التخلف والرجعية والظلامية وإلى آخره من الشعارات السوداء التي تلصق في كل من يعارضهم أو حتى يجادلهم .
لا أرى أني مجبر هنا على سرد تاريخ العلمانية أو الوجودية أو الإلحاد كي أفهم للقارئ الحكاية من أولها ، فهؤلاء لا أصل لهم بين تلك الفروع بل هم يعتنقون مذهباً مسخاً قد تكون فيه بعض الملامح من المسميات السابقة .
عندما تقرأ لهم أو تستمع إلى أحاديثهم فإنك تجد أن محور حياتهم الأصلي هو عداء الإسلام ، هم ليسو علمانيين أو ملحدين بل هم ينتمون إلى حزب كارهي الإسلام فقط لا غير ، إنتاجهم الفكري محدود ويكاد أن يكون معدوم لأنهم يعيشون ليل نهار في البحث والتدقيق في القرآن والأحاديث النبوية لعلهم يجدون شيئاً يهاجموه حتى أنهم إذا ما رأوا نقطة سقطت سهواً من فوق حرف في كتاب أدعية مأثورة فإنهم يبدؤون الطعن في الدين والنبي والمذهب وكل شيء عن طريق أكليشهات محفوظة وغبية جداً تم الرد عليها مئات المرات إلا أنهم يعشقون ذكرها كثيراً لعلها تجذب جاهل جديد إلى عالمهم المليء بالكراهية لكل ما هو مسلم .
العلمانية بمفهومها البسيط الذي أعرفه هي فصل الدين عن الدولة ، والإلحاد بمفهومه البسيط أيضاً والذي أعرفه هو إنكار وجود أي إله لهذا الكون يتحكم في مقادير البشر وحياتهم أو ينسب إليه خلق أي شيء ، لم أجد في الفكر العلماني أو الإلحادي الدعوة إلى سباب الإسلام ونبيه ليل نهار كأحد أركان هذا الفكر ، لم أجد في هذا الفكر الدعوة إلى استعداء المجتمع بأسره والسخرية منه لإجباره على ترك دينه .
أكثر ما يضحكني في تعبيرات وجوه العلمانيين الجدد وهم يتحدثون هي تلك التقاسيم التي ترسم على جباههم والتي تحمل كل أنواع البغض للإسلام ومعتنقيه ومن أراد أن يتأكد من كلامي فعليه مشاهدة أمثال وفاء سلطان وهي تتشنج وتترنح وتتلوى وتقفز في مكانها إذا تحدثت عن الإسلام ، بل أكاد اجزم أنه لو قام رئيس الولايات المتحدة بتفويضها لاستعمال السلاح النووي الأمريكي فإنها في نفس التو واللحظة ستتخذ قرار بإبادة العالم الإسلامي كله .
هناك كاتب يدعى كامل النجار في إحدى المدونات على الانترنت كتب ما يزيد عن 122 مقالة لا توجد منهم مقالة واحدة تتحدث عن تطوير العالم العربي أو أي من قضاياه ، بل كلها سب في الإسلام ونبيه وأن خلاص البشرية وراحتهم هي في موت المسلمين ودينهم ، بل أنه تطرف في كراهيته إلى تمجيد أي دين آخر غير الإسلام وهو بذلك يخالف أ ب تعاليم العلمانية والإلحاد .
إننا أمام فئة معينة تتوغل في الوسط الثقافي وهي مرتدية عباءة العلمانية والإلحاد وتضمر في قلوبها كراهية لا محدودة للإسلام ونبيه بالتحديد دون غيره ، فئة تتدعي عكس ما تظهر وما تبطن ، تستولي على عدة منابر ثقافية هامة تتحدث منها لتبث كراهيتها على رؤوس الناس .
أنا أتقبل العلماني أو الملحد لأنه بالأساس صاحب مبدأ ويعامل من يخالفه جميعا بنفس المبدأ ، فأنا مثلاً أعشق الاستماع إلى سعد الدين إبراهيم وعلاء الأسواني وأسامة الغزالي حرب وغيرهم فهم ليبراليون وطنيون محترمون ، لكني لا أستطيع أن أتقبل تلك الفئة المسمومة بين أظهرنا فهي فئة تسعى إلى استفزاز مشاعر المسلمين بالإضافة إلى التحقير الدائم لمقدساتهم .
لم أرى أحد من العلمانيين الجدد يحارب البوذية أو اليهودية أو عباد الفئران في الهند بل كل تركيزهم على الإسلام دون غيره وهو يضعنا أمام احتمالين لا غير أن هذا الشخص كاره للإسلام لسبب العمالة للخارج وهو سبب مرفوض مني لأني لا أؤمن كثيراً بنظرية المؤامرة ، والسبب الآخر هو أنهم يعانون في قرارة أنفسهم من رفض الإسلام لبعض ممارساتهم مما جعلهم يكرهونه ويتمردون عليه وكلما زادت وتيرة سبهم للإسلام ورسوله يشعرون أنهم تحرروا أكثر من تلك القيود التي كانت تحد من ممارساتهم وهناك أمثلة كثيرة على ذلك منهم صاحب مدونة تدعى ( مثلي قوي ) على الانترنت وهو رجل شاذ جنسياً يبغض الإسلام ويدعي أنه علماني ويتحدث عن مئات الأسباب وراء اعتناقه العلمانية لكن السبب الحقيقي هو رفض الإسلام لممارساته الجنسية الشاذة مما دفعه لبغض الإسلام ، وهناك الدكتورة نوال السعداوي التي تعاني منذ طفولتها من تطرف متنامي في عقلها حول قضايا المرأة مما حولها لكارهة كبيرة إلى التشريع الإسلامي .
أو قد يكون لسبب ثالث على غرار العلمانيون الجدد في تركيا وهو بسبب خوف أولئك العلمانيون من قوة الإسلام في السيطرة على الشعوب وقيادتها مما يجعلهم في منتهى الشراسة في محاربته عكس علمانيو أوروبا الذين لا يجدون في المسيحية حالياً ذلك العدو بعد أن انتهت حروبهم الشرسة مع الكنيسة منذ قرون لصالحهم .
أنا أؤمن جداً بحرية الرأي ووجوب الحوار بين المختلفين ، لكن ما يحدث من فئة العلمانيون الجدد ليس حواراً بل هو تطاول يسيء لمعتقدات السواد الأعظم من الأمة العربية ويستفز مشاعرها ، إنه إرهاب فكري ونشر لثقافة الكراهية بين فئات المجتمع ، إنه نشر للجهل لأن ما يكتبونه ويتحدثون به هو الجهل بعينه عن الإسلام ورسول الإسلام وأحوال المسلمين ، لذا لا داعي أن يخرج عليّ مفوضي الحرية وحقوق الإنسان ممن دافعوا باستماتة عن أمثال عبد الكريم نبيل سليمان ليلصقوا بي تهمة الظلامية والرجعية والتخلف والديكتاتورية .
إن أوروبا وأمريكا رعاة الحرية والديمقراطية في العالم عندهم خطوط حمراء لا يجب تجاوزها ومنها على سبيل الذكر لا الحصر قضية معاداة السامية والتشكيك في المحرقة النازية ، أو احتقار الجنس الأسود والدعوة للتخلص منهم ..فهي قضايا من يتحدث فيها يجد نفسه أمام قاضي يحاكمه ويلقيه داخل غياهب السجون ، أما نحن العرب فكلنا مستباح حتى أفكارنا ومعتقداتنا هي شيء مستباح من العلمانيين الجدد .
للأسف العلمانيون الجدد في تزايد مستمر حتى ولو تزايد بطيء لكنهم في تزايد ، فهي موضة يركبها كثيرون من مدعي العلم والمعرفة والثقافة أو من لهم مشاكل مع تشريعات الإسلام .
إن خطر هؤلاء شديد جداً فهم يعملون على استفزاز مشاعر الكثيرين مما قد يؤدي إلى أحداث دموية في المستقبل نتيجة لهذا الاستفزاز الدائم لمشاعر الملايين ، لذا أدعو السلطة في مصر إلى سن قوانين تحاكم هؤلاء على غرار قوانين معاداة السامية والسود ، وهذا ليس وأداً للحريات إنما حفاظاً على الأمن الاجتماعي وحقناً لدماء قد تنزف في المستقبل .

ليست هناك تعليقات: