لم يكن ما قام به الرئيس الراحل السادات من إطلاق يد الحرية للتيار الديني في مصر من باب إيمان السادات بحرية الرأي والرأي الآخر ،،
لكنه كان كما ذكر لمحاربة الوجود الشيوعي في مصر والقضاء على أي تعددية فكرية سياسية في مصر ، ليكتفي بعدها مثقفو مصر وقادتها من المعارضة من كافة الأطياف بمحاربة بعضهم البعض حتى آخر رجل وآخر نفس .
لكن لتصادف الأقدار فقد نجح مخطط السادات في ذلك لكنه أول من شرب من كأس الصراعات السياسية المسمومة عندما تم اغتياله عام 1981 على يد الزمر ورفاقه ،،
مذ ذاك التاريخ وقد انشغل المصريون بتقطيع مصرهم أكثر وأكثر من أجل تحقيق انتصار زائف من خلال ندوة أو روابط في الجامعة أو حتى برنامج تلفزيوني !!
انشغل مثقفو مصر وقادتها بالصراعات للظفر بنصر وهمي لا قيمة له في سوق العرض والطلب الفكري أو السياسي وترك العدو الحقيقي المتمثل في النظام الحاكم يحقق انتصاراته الحقيقية بالقضاء على معارضيه وعلى المجتمع ونهب الأموال وتزوير الانتخابات في مشهد يذكرني بثعلب يأكل خروفاً أمام خروفين آخرين كل منهما ينطح في الآخر حتى يقتله ليأتي الثعلب بعدها ويأكله على مهل وراحة واستمتاع !!!
الناظر للساحة السياسية المصرية يجد أنها تتكون من أربع أو خمس أطياف أساسية وهم بالترتيب حسب التمثيل الشعبي جماعة الإخوان المسلمين صاحبة الشعبية الكاسحة في الشعب المصري ثم الناصريين ومنظري القومية ثم الليبراليين أو العلمانيين وهم قليلون إلى حد ما ثم الشيوعيين الذين كل يوم يمر عليهم ينقرضون أكثر فأكثر ؛ أمام لاعب واحد فقط يمتلك كل شيء إلا الشرعية والقبول لدى المصريين وهو النظام الحاكم .
الغريب في الأمر أن النظام في تعامله مع الجميع لا يفرق بين إخوان أو شيوعي أو ليبرالي أو ناصري ،، كلهم يتم معاملتهم بالحذاء ،، وتزداد وطأة الحذاء كلما ظن الخصم أو جنح بخياله أنه أصبح كيان يستطيع مواجهة النظام بسطوته وجبروته ..
لكن الخراف تأبى أن توقن بأن الذئب لا يفرق بين لحم بعضها البعض ، فنجد كل ساحات مصر السياسية والفكرية والإعلامية تحولت إلى ساحات حرب بين الأطراف السياسية المصرية المهمشة في الأصل .
فنجد مثلاً استفزاز متواصل من العلمانيين أو الليبراليين تجاه الإسلاميين بوصفهم قوى الظلام ، والرجعية ، والإرهابيين ، وأعداء التطور والنهضة وغيرها من التهم الجاهزة المعلبة والتي بالطبع عندما يتم سماعها من جانب الإسلاميين فإنها تستنسخ نفسها استثارة ليقوموا بالرد عليها بوصف العلمانيين بأنهم كلاب الغرب ، كفرة ، منحلون ، دخيلون على الأمة ، وغيرها من التهم المعلبة ..لتظل حرب الاستفزاز والكراهية والتغابي اللامتناهي بين الطرفين إلى أمد بعيد مجرجرة في ذيلها ملايين من المصريين الضائعين بين كل حزب من هؤلاء وهؤلاء ..
بل تعدى الأمر ذلك ليصل إلى الشعب المغيب بفعل فاعل والذي انشغل بدوره إلى حروب دينية زائفة .
فتجد المصري المسلم يزدري المسيحي ، وتجد المصري المسيحي يبغض المسلم ..لدرجة أنه من المحال أن تجد دولة في العالم بها حجم الكراهية المتبادل بين قطبي مجتمعها مثل مصر وهذا نجاح آخر ينسب إلى النظام الحاكم الذي لم يكتفي بإشعال الفتنة بين مثقفيها بل أيضاً بين عموم الشعب ..
فتجد المسيحي المصري يتهم المسلم بأنه يضطهده وأنه يسلبه حريته وكرامته ، بل ويسلبه أهله بالأسلمة الجبرية كما يطلقون عليها وغيرها من التهم..
وتجد المسلم المصري يتهم المسيحي بأنه عميل لأمريكا ، طابور خامس في هذا البلد يجب محاربته ، يقومون بحملات تنصيرية استفزازية وغيرها من التهم ..
أصبح النسيج الاجتماعي والثقافي والفكري المصري مهلهلاً ، بل أصبح ممزقاً ليحول مصر بعدها إلى مستنقع سياسي لا نضارة فيه ولا خير ،،
ملايين من المصرين مقسمين بين آكلين في لحم بعضهم البعض ، أو خائفين مرتعدين تائهين ، أو ناهبين سارقين مستبدين ،،
والضحية هنا هو مستقبل هذا الوطن الذي يئن من سياسة فرق تسد ، الذي يئن من عقود الاستبداد والفساد مضت وأخرى قادمة ،،
أيها المصريون إن عدونا واحد فقط لا غير ، إنه من يرانا نمزق أنفسنا ويغذي الكراهية بيننا ويسلب أموالنا ويسجن ويعذب ويقتل خيرة رجالنا ونسائنا ، إنه من باع مصر للشرق والغرب ليقبض هو الثمن ، إنه القابع والجاثم على نفوسنا .
أفيقوا يرحمكم الله ، نحوا خلافاتكم وشدوا من أزر بعضكم ، و والله الذي لا إله إلا هو لو أن مليون مصري وقفوا فقط ضد النظام في مظاهرة حاشدة لهرب كل أقطاب النظام إلى أوروبا وأمريكا حيث تسكن أموالنا المنهوبة .
كفانا مهاترات وصراعات فكرية على غنائم وهمية زائفة ، كفانا كراهية وانشغالا عن عدونا الرئيسي عدو مصر والمصريين كلهم .
لا أريد أن أرى رفعت السعيد وهو يتشاجر مع عصام العريان من أجل محاولة فاشلة في نفي الآخر ، لا أريد أن أرى خيرة شباب مصر وقد انبرى كل منهم لتشجيع فريق كرة قدم بالروح والدم والفتك بمشجعين الفرق الأخرى ، لا أريد أن أرى عموم شعب مصر وهي تتبادل الكراهية من أجل اختلاف المذهب أو الدين ..
وحدوا الصفوف ووحدوا الكلمة ، وقفوا وقفة رجل واحد أمام طاغية لا يعرف إلا الحديد والنار لإسكات عاشقين ومحبين هذا الوطن .
هناك تعليق واحد:
مبروك الإفتتاح
إرسال تعليق