الأحد، 7 سبتمبر 2008

فيلم ( The Kingdom ) ،، والرؤية المتخلفة للواقع

استمراراً لحلقات هوليود في التعامل الساذج والسطحي والمستفز مع قضايا العرب وتاريخهم وانتماءاتهم تم إنتاج فيلم ( The Kingdom ) والذي هو يعتبر آخر مهازل هوليود " الصهيونية المذهب " ويتناول بطريقة ساذجة جدا أحداث تفجيرات الرياض وتداعياتها وأسبابها ..ويجسد الغطرسة الأمريكية المستفزة لنا معشر العرب والمسلمون بكل ما بالكلمة من معنى.. وهذا هو محور حديثي في هذا الموضوع ..
يبدأ فيلم ( The Kingdom ) بعدد من المشاهد الخاطفة التي لا تتعدى بضع ثوان والتي يتم فيها اختزال تاريخ العلاقات الأمريكية السعودية .. بعد إضافة مزيج فاخر من الأكاذيب والمغالطات التاريخية والتي تُرجع قيام العلاقات الأمريكية السعودية إلى المصلحة المشتركة حول استخراج النفط والانتفاع به ..وتناسى هؤلاء أو كعادة أبناء العم سام في الكذب والتضليل أن السبب الأقوى في نشأة هذه العلاقات يعود إلى المد الشيوعي السوفييتي الذي سيطر على كل البلاد العربية صاحبة الثقل آنذاك مما استوجب اندفاع الولايات المتحدة بكل قوتها لإيجاد صديق أو حليف عربي له من الثقل الإقليمي بين العرب ما يوازي ثقل مصر وسوريا والعراق وهي السعودية .. وتناولت مقدمة هذا الفيلم أيضاً الكذبة الكبرى التي يروج لها كثير من الجهلاء والمنتفعون ومحاربو السلفية بأن الوهابيين هم الذين يريدون العودة بالدول الإسلامية للوراء ويروجون للإرهاب .. وأن الدولة السعودية المتمثلة في كيان الأسرة الملكية الحاكمة فقدت مصداقيتها بين الشعب السعودي والتأييد من العلماء الوهابيين كما ذكر الفيلم .. وهذا منافٍ تماماً للواقع الذي يشهد بالتأييد الكاسح من هيئة كبار العلماء وعلى رأسهم الإمام عبد العزيز آل شيخ والإمام صالح فوزان الفوزان في المملكة لأسرة آل سعود ..بل ومحاربة كل علماء السلف في السعودية لظاهرة الإرهاب وتوعية الشباب السعودي بخطأ هذا النهج .. كما تضمنت المقدمة خلط متعمد بين صور لأسامة بن لادن والعلامة بن باز في مشهد يفهم مغزاه من يعرف الفرق بين الاثنين ..
إذاً الوهابية لم تكن سيفاً مسلطاً على رقاب السعوديين أو حكامهم بل كانت وما تزال وستظل الدرع الواقي للمملكة ضد الفكر الإرهابي المتطرف الذي يتبناه بعض من المسلمين الذين يحاولون عبثاً نسب أنفسهم لمنهج الإمام محمد عبد الوهاب رحمة الله عليه وهو منهم براء..
بعد هذه المقدمة التي احتوت على هذا الكم من السخافة والكذب فبالطبع سيكون الفيلم كأسلافه من أفلام هوليود مسخ جديد لا قيمة له سوى حصد التصفيق الحار من مموليه الصهاينة ..
دعني عزيزي القارئ أوضح ما جاء في هذا الفيلم من سخافات والنقد الموجه إليه أو بمعنى أدق فضح هذا الفيلم والرد على ما طرح فيه في صورة نقاط :
أولاً : عند مقتل الأمريكيين في بداية الفيلم في تلك الحادثة الإرهابية بالرياض يتم الاتصال ببطل الفيلم ( Jamie FoxX ) ويتم إبلاغه فيها بأن صديقه الذي يعمل في السعودية وهو من جهاز الـ FBI قد تم قتله ضمن مجموعة من قتلوا من الأمريكيين ..وهنا يبدأ المشهد بوجود البطل ( Jamie FoxX ) في مدرسة ابنه وفي سياق غير مفهوم للسيناريو يتم إقحام سؤال بريء من الطفل لأبيه ( Jamie FoxX ) عن أن الأشرار هم الذين يقبعون في الخارج ؟ ..وهنا يؤكد الأب على هذا المفهوم في رأس ابنه ويدعوه للبقاء في المدرسة والمقصود هنا بالطبع حول الأشرار الخارجيين هم المسلمون والعرب ،،، ثم تنتقل الكاميرا لمبنى الـ FBI ليقوم البطل بإخبار الجميع بمصرع زميلهم في تفجيرات الرياض وهنا تبدأ النغمة الأمريكية المعهودة في مثل هذه المواقف من خلال مشهد درامي تصاحبه موسيقى تصويرية حزينة بأن زميلهم هذا كان طيب القلب وكان كريماً وذو خلق طيب وله زوجة وأطفال أبرياء وكلب لطيف يفرك له ظهره ..وبالطبع لابد من وجود دموع أنثوية وهو الدور الذي تكفلت به ( Jennifer Garner ) من أول الفيلم لآخره ولم تكن لها أية أهمية سوى ذرف الدموع ،، وبطبيعة الأمريكيين الذين يظنون أنفسهم فوق الجميع وأن دمهم مقدساً ودمنا مباحاً وبإزدواجية معايير معهودة منهم يبدءون البكاء على صديقهم المقتول في حين أنهم لا يبكون على ألوف القتلى من الأطفال والنساء قبل الرجال في كل من العراق وفلسطين وأفغانستان مثل ما يبكون على قطة صغيرة في إسرائيل أو أمريكا تم حشرها في ماسورة مجاري من قبل مختل عقلي ..فأمريكا هي سفاح العالم الأول وأكبر مجرم في تاريخ البشرية والجميع يعلم ذلك بداية من نجازاكي وهيروشيما مروراً بفيتنام والصومال ولبنان انتهاءً بالعراق وأفغانستان ..لا أعرف هل رجال العرب لا يمتلكون زوجات وأطفال وأحياناً كلاب يربتون عليها مثلكم يا معشر الأمريكان أم أننا مجرد بعير تكسو صحراءنا مثل ما هي صورتكم الدائمة عنا حتى لا ننال حزنكم على ضحايانا !!!
ثانياً : يعزم البطل ( Jamie FoxX ) على الثأر لزميله ويقرر الذهاب للمملكة العربية السعودية للتحقيق في هذه القضية وهو الأمر المرفوض تماماً من كلا الحكومتين الصديقتين مما يستدعي قيام البطل ( Jamie FoxX ) في مشهد ساذج بابتزاز الأمير السعودي المتواجد في أمريكا من خلال تهديده بتلفيق له تهمة مساندة إرهابيين وإيوائهم وبالتأكيد سيرتعد الأمير العربي كعادة كل العرب في الأفلام الهوليودية وسيوافق بكل بساطة على طلبات ضابط الـ FBI وبسرعة يتم نقله للسعودية لبدء التحقيق هو ومجموعته..وعند السفر تبدأ نغمة استذكار محاسن قتيلهم والبكاء عليه مرة أخرى بدمعتين أُخريين لتذكير المشاهد الأمريكي ببشاعة ما فعله العرب ...وعند وصولهم لقاعدة الأمير سلطان الجوية وعند تسليم جوازاتهم وأسلحتهم يرى أحد الضباط السعوديين ختم مرور إسرائيلي على أحد الجوازات السفر فيسأل صاحبه الأمريكي عنه فيرد باستغراب أن هذا أمر عادي وأن له جدة تسكن في إسرائيل في مشهد يريد فيه المخرج توصيل المشاهد لحالة من الاستغراب لتفكير العرب وأسلوبهم في إدارة أمنهم الداخلي ..وهنا لي سؤال يطرح نفسه ..لو قام أحد ما بزيارة الولايات المتحدة وفي جواز سفره ختم دولة إيران هل سيكون رد فعل ضباط الجوازات الأمريكان هو الاستقبال بالورود أم التحقيق والاستجواب والمراقبة الخ الخ ..؟؟..أدع الإجابة للقارئ
ثالثاً : يصل فريق التحقيقات الأمريكي إلى مسرح الجريمة ويبدءون في معاينة مسرح الجريمة المكتظ بقوات الأمن وهم ينظرون بعين المحترف بازدراء لأسلوب الأمن السعودي البدائي في التحقيق والمسح الجنائي لموقع الجريمة وهنا تظهر عدة دعابات ( سخافات ) من الفريق الأمريكي متكررة لتثبيت فكرة في عقل المشاهد حول تخلف أجهزة الأمن الداخلي في البلاد العربية..وهنا لي وقفة ..هل الأمريكان هم من سيعلمون العرب أساليب التحقيق والمسح الجنائي في دول تصرف المليارات على أمنها الداخلي ..في دول في حرب مستمرة مع الإرهاب ولها من الخبرة والحنكة لتعليم العالم كله كيفية القضاء على الإرهاب الذي فشلتم فيه في 11 سبتمبر سابقاً وتفشلون فيه في العراق وأفغانستان يومياً !!!!
بل المعلومة التي يعلمها الكثيرين بأن أجهزة الأمن الداخلية والخارجية الأمريكية المتمثلة في الـ FBI والـ CIA ليست في القوة التي تصورونها في أفلامكم فهي أضعف بكثير من قوة النظام الأمني لحزب الله على سبيل المثال .
رابعاً : مشهد تحقيق البطل ( Jamie FoxX ) مع أحد ضحايا الحادث والذي فقد فيه زوجته ..حيث ينفجر الأمريكي غضباً في وجه العقيد السعودي ويقول له : أنتم من قتلتم زوجتي ..ثم يستطرد ويقول هذا ما أمر به نبيكم محمد ..في مشهد يريد فيه المخرج إيصال المشاهد أن الإسلام دعوة خير البشر أجمعين جاء بالإرهاب وليست السماحة مما يوضح الهدف الخفي لهذا الفيلم السخيف ..وهنا لي وقفة ..لماذا سكت الضابط السعودي ولم يرد على سفالة الأمريكي في الفيلم عكس ما هو المتوقع إذا حدث مثل ذلك في الواقع ؟؟ ..بل أنا من سأقوم بالرد عليه ..إذا كان ديننا يحض على الإرهاب فأرجوك يا سيدي عُد لنا عدد ضحايا الإرهاب الإسلامي والإرهاب الأمريكي في بلاد العالم ..وبالتأكيد تعلم كفة من هي الراجحة في الخراب والدمار ..بل دعني أضيف أيضاً بأنه إذا كانت بلاد محمد لا تعجبك فلما جئت إليها من الأساس تطلب العيش والرزق فيها !!!
خامساً : إظهار أمراء المملكة العربية السعودية في مظهر الترف والتخلف الفكري والسطحية ..هذا غير مشاهد الجمل المتعمد إدخالها دون أية لازمة في السيناريو للتأكيد على أن العرب مازالوا يعيشون في الخيام ويمتطون الجمال للتنقل بين مكان وآخر ..!!
سادساً : وهو الاستهزاء بتعاليم الإسلام ومعتقداته في مشهدين مختلفين أولهما هي التلميح بسذاجة الشريعة الإسلامية بتحريم لمس الغير المسلم للمسلم بعد وفاته ..وثانيهما هي السخرية من مكانة الشهيد في الجنة عندما قام الممثل ( Chris Cooper ) بتوجيه سؤال للمثلة ( Jennifer Garner ) عن عدد الحور العين التي يحظى بهم الشهيد في الجنة وهو على وجهه ابتسامة سخرية حقيرة وممسكاً بكتاب مكتوب عليه ( koran ) وهي كتابة خاطئة لاسم القرآن بالإنجليزية ..وإذا فتحنا يا سادة باب الاستهزاء بالأديان فثقوا تماماً أنكم الخاسرين في هذا .. لكن ما يمنعنا عن ذلك هو تعاليم الإسلام في كتاب الله وسنة نبيه عن تحريم الاستهزاء بمشاعر ومعتقدات الآخرين كما تفعلون دائماً مع الهنود الحمر الأصحاب الأصليين للأرض التي استعمرتموها وكما تفعلون معنا ..ولا أعلم لماذا إذا كان الحديث عن المعتقدات اليابانية في أفلام هوليود يتم التعامل معها بقدسية واحترام شديد بالرغم من أن ديانة اليابانيين الوثنية أولى بالاستهزاء ... لكنكم تنفذون أجندة حقيرة وضعها لكم منتجو أفلامكم الصهاينة ..
سابعاً : وهو مشهد الاقتتال بين أبو حمزة وجماعته مع الثلاثة أمريكيين والعقيد السعودي في سيارة جيب وهم محاصرون في حي السويدي بعشرات المسلحين بالآر بي جي والأسلحة الرشاشة لإنقاذ زميلهم الأمريكي الرابع المخطوف ..وكعادة هوليود فإن البطل الأمريكي لا يموت حتى لو كان طفلاً في السابعة وسط غابة من الأسود الجائعة ..بل الأدهى والأمر أن العقيد السعودي هو الذي يموت من بينهم عملاً بهذه النظرية الهوليودية .. وبعد موته يقوم البطل ( Jamie FoxX ) بالتعزية عند عائلة العقيد غازي ثم يلاقي ابنه ويقول له بأن أباه كان صديقاً مخلصاً لي ..وهنا يريد المخرج التصديق على فكرة أن العرب كي يكونوا أخيار يجب أن يكون مخلصين لأمريكا والأمريكان ..وليسوا مخلصين لبلادهم ولدينهم ..!!!
ثامناً : وهو مشهد الختام في الفيلم الذي يدعم فكرة صراع الحضارات واستمرار الاقتتال بين أمريكا وبين العرب والمسلمين في المشهد الذي تقوم فيه ابنة أبو حمزة بسؤال حفيده عن آخر كلمات جده قبل أن يُقتل وفي نفس اللحظة يتداخل هذا المشهد مع سؤال الممثل ( Chris Cooper ) للبطل ( Jamie FoxX ) عن ما قاله قبل السفر للسعودية وهنا تكون الإجابة واحدة بين الحفيد و البطل ( Jamie FoxX ) وهي أننا سنقتلهم جميعاً ..
وبالطبع فإن فيلم تمت صياغته بهذا الأسلوب المتدني فبالتأكيد ستكون نهايته دعوة للدموية ولصراع الحضارات .

بقي لي ملاحظة أخيرة وهي الفرق الكبير بين تناول سبيلبيرج المخرج اليهودي لفيلم ميونخ بطريقة عرض محايدة ومحترمة لحد كبير تناول فيها وجهة نظر العرب والإسرائيليين حول قضية الشرق الأوسط وبين هذا الفيلم التافه المليء بالأكاذيب والرؤية الأمريكية الأحادية لغيرهم من المخلوقات البشرية ..
فبالرغم من الميزانية الضخمة لهذا الفيلم التي وصلت لـ70 مليون دولار فهو نجح في شيء واحد بنسبة 100% وهو مداعبة مشاعر الأمريكيين الصهاينة وغيرهم من أعداء العرب ..وفشل بنسبة 100% كأداء ممثلين أو كقصة محترمة تستحق التخليد في أرشيف الفن العالمي ..
ونصيحتي لكل سعودي هو تجنب مشاهدة هذا الفيلم فأنا كمصري ارتفع ضغط دمي بدرجة كبيرة فما بال إخواني السعوديين ..!!

ليست هناك تعليقات: