السبت، 22 نوفمبر 2008

Traitor الخائــن

مازال هوس الحرب على الإرهاب يسيطر على مخيلة منتجي هوليود الأمريكية بالمناصفة مع قادتهم العسكريين والسياسيين ، فمن الملاحظ أنه في الآونة الأخيرة ازداد الاهتمام من قبل هوليود الأمريكية بفهم الشخصية العربية والإسلامية ، وفهم قضاياها ومحاولة فهم أو تفهم وجهة نظرها تجاه كل شيء قد يمتد أثره على أمريكا .
الأمر بالطبع ليس يسيراً في ظل النظرة الصهيوينة الأحادية المسيطرة على هوليود الأمريكية منذ نشأتها ، لكنه عالأقل هناك محاولات جادة لإخراج الشخصية العربية الإسلامية من الجانب الذي حشرته فيه هوليود وهي الشخصية السلبية السخيفة الشريرة الغبية الجشعة إلى إنسان مثلهم كل ما ينقصه هو قصور مستوى التقدم في مجتمعاته عن المجتمع الأمريكي .
لا أستطيع بالطبع تأريخ هذا التحول ، لكني عالأقل أتذكر بداياته مع فيلم The Kingdom of Heaven ، وفيلم Munich لستيفن سبيلبيرغ مروراً بفيلم The Kingdom انتهاءً بفيلمنا الذي سنتناول نظرة تحليلة له وهو فيلم Traitor .
بغض النظر عن اختلافنا أو اتفاقنا مع محتوى تلك الأفلام إلا أننا يجب أن نقر بحقيقة تغير النظرة الهوليودية للشخصية العربية إلى نظرة إيجابية أفضل ، محاولة بذلك تحليله وفهم أبعاده النفسية والاجتماعية .
فيلم Traitor هو فيلم تم إنتاجه عام 2008 للمخرج
Jeffrey Nachmanoff بطولة Don Cheadle ذلك الشاب الأسود الظريف الذي عرفناه من سلسلة أفلام Ocean's 11 & 12 & 13 الشهيرة ، فيلم يبهرك ويجذبك إليه من أول لقطة ، وعلى الرغم من طول مدة الفيلم إلا أنك لا تشعر بالملل نهائياً ، وهو يحكي عن عميل للمخابرات الأميريكة من أصل سوداني يتم زرعه داخل خلية إرهابية من أجل التعرف على قادتها وعملائها في كل مكان بالعالم للقضاء عليها .
سلبيات الفيلم متعددة وتبدأ باسمه Traitor ومعناه الخائن ، وكما يتضح من سياق الفيلم أن هذه الخيانة من وجهة النظر الأمريكية هي خيانة رائعة وجميلة تنقذ أرواح الآلاف من الأمريكيين ، لكن اختيار هذا الاسم سيكون له تأثير سلبي على الطائفتين المعارضة لما فعله البطل والموافقة له ، فالمعارضون لما قام به سمير هارون بطل الفيلم سيجدون في اسم الفيلم أبلغ تعبير على رفضهم لما قام به ورفض رسالته وسيقولون بمنتهى البساطة أنه مجرد خائن يكرمه الأمريكيون ويجب أن لا نقتدي به ، أما المؤيدون لما فعله سمير سيجدون حائلاً كبيراً بين تأييدهم للبطل وتكريمهم له وكرههم لصفته المطلقة عليه في عنوان الفيلم .
يبدأ الفيلم في محطته الأولى وما أكثر تنقلاته بين بلدان العالم ، في السودان لطفل صغير يصلي بجانب والده ويقرأ القرآن ويلعب معه الشطرنج ، حيث يقوم المخرج في هذا المشهد ببناء أرضية طيبة للبطل بأنه شخص متدين وذكي منذ نعومة أظفاره ومن ثم تأصيل تاريخ الشخصية النفسي ليسهل على المشاهد تفهمها ، ثم بعدها ينزل الوالد من المنزل ليركب سيارته والابن واقف في الشرفة يودعه ..لتنفجر سيارة الأب وسط ذهول الابن الصغير سمير .
المشهد الأول في الفيلم وهو بوابة الدخول للفيلم فيه خطأ تقني ساذج جداً وقع فيه المخرج وهو مشهد الصلاة عند وقوف الابن على يسار الأب في الصلاة في حين أن الأب هو الإمام ! ، وكلنا يعلم أن الإمام في الصلاة التي تجمع بين اثنين فقط يكون واقف على يسار المأموم وليس على يمينه ، قد يكون هذا المشهد صغيرٌ جداً ولا يتعدى الخمس ثوان وبالطبع فهو ليس له تأثير جوهري على أحداث الفيلم إلا أنه يفضح وبصورة هائلة أن الإعداد لهذا الفيلم لم يكن بالشكل المطلوب وكان إعداداً بالصورة التقليدية منطلقين من مبدأ رغبتهم في مخاطبة المجتمع الأمريكي فقط عبر هذا الفيلم والذي بالتأكيد لن يهتم لمثل هذه الفرعيات .
كما وضحت سابقاً أن هذا الخطأ يوضح بشكل هام أن المخرج لم يهتم بفرعيات الفيلم التي تخدم مصداقية القصة ، لذا تعدى خطأه هذا إلى الأخطاء اللغوية للعرب الذين ظهروا في الفيلم في لغة عربية ركيكة مصطنعة إلى أبعد الحدود ..وكان الأولى هو الإتيان بعرب حقيقيين ليتحدثوا بلهجات الدول التي سيمثلونها في الفيلم أو الإبقاء على نفس الممثلين مع جعل اللغة الإنجليزية هي اللغة السائدة في الحديث وهذا لن يؤثر على واقعية الفيلم من قريب أو من بعيد ، لكن أن يتم التحدث باللهجات العربية بهذه الركاكة المصطنعة فهو أمر يثير الاستياء ، فالفيلم حسب ما شاهدنا يبدو أن إنتاجه تكلف ميزانية هائلة لذا إن إعطاء هذه الفرعيات بعض الاهتمام كان سيضفي كثير من التعمق في الشخصيات مثل فيلم Munich للعبقري ستيفن سبيلبيرج الذي لم يدع أدنى الفرعيات تهرب من بين يديه .
الفيلم ناقش بصورة معمقة وجهة نظر الجماعات الإرهابية التي تعادي الولايات المتحدة الأمريكية في مشاهد عدة أبرزها المشهد الذي يجمع سمير وعمر بالأطفال في فرنسا ، كما أنه يعرض وجهة النظر الأمريكية بغطرستها المستفزة وسطحيتها الشديدة في تحليل الأمور وتجسد ذلك في دور الممثل
Neal McDonough أو الضابط ماكس آرشر .
لكن الفيلم قام بطرح وجهة نظر جديدة وفريدة من نوعها تبعد كثيراً عن وجهة نظر الجماعات الإرهابية أو وجهة نظر الإدارة الأمريكية الدارجة أو المتعارف عليها من وسائل الإعلام .
فوجهة النظر التي قدمها سمير هارون وكما لخصها هو في آخر الفيلم عند حديثه مع
Guy Pearce أو الضابط كلايتون تنطلق من المبدأ القرآني الوارد في آية 32 بسورة المائدة (من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ) حيث أن سمير يرى أن السلام بين الشعوب وحفظ أرواح البشر هو أهم شيء في الوجود ، وأن قتل الأبرياء من جانب تلك الجماعات يشوه صورة الإسلام .
وجهة نظر جديرة بالاحترام ، وتفعيلها في مشاهد الفيلم عبر شخصية سمير هارون كان على أعلى درجة ، فهو يرفض تماماً قتل أي من الأمريكيين والعرب على السواء وهذا اتضح في مشهد تفجير السفارة الأمريكية بفرنسا ومشهد دفاعه عن صديقه عمر في آخر الفيلم .
لكن وجهة النظر هذه عابها عدم اتساع نظرة التعاطف تجاه العرب ، من تعاطف سمير مع عمر لمجرد الصداقة إلى تعاطف كلي مع المسلمين والعرب في العراق وأفغانستان وفلسطين ، عكس ورودها متسعة في الفيلم تجاه الجانب الآخر لتشمل التعاطف مع الأمريكيين والغرب عموماً ، وهنا يجب طرح سؤال هام ..هل يجب أن نكون أصدقاء للغرب من منطلق إنساني أو سياسي كي ننال تعاطفهم ؟!
النظرة المثالية التي قدمها سمير في حديثه مع عمر وفريد وهم جالسون في مقهى بفرنسا عن الصفات التي يجب أن يتحلى بها المسلم هي أقرب للسذاجة منها إلى الواقع الخاص بهذا الفيلم .. فعندما أمرهم فريد بأن يشربوا الخمر كي لا يثيروا الشبهات حولهم رفض سمير في أول الأمر ذلك بحجة أن الخمر حرام وأنه لا داعي لها حيث أنهم غير مراقبون أو مهددون وعندما رد عليه فريد بأنه يجب أن نتظاهر بأننا مثل الآخرون حتى لا نلفت الأنظار مما قد يتسبب في فشل العملية فقال له سمير أن المسلم لا يكذب ! .. فيلم يتحدث عن جماعة إرهابية تنوي قتل المئات في بلاد الغرب وتريد أن تنصحها بعدم مشروعية هذه العمليات بأن تقول لهم بأن المسلم لا يكذب فهذه سطحية شديدة في مخاطبة الآخر وكأنك تنصح طفل صغير ، أما إذا كان الغرض من هذا المشهد هو تشويه صورة الجماعات الإرهابية فمحاولة الفيلم ستبوء بالفشل لأن فئة المخاطبون من هذا الفيلم من المؤيدين لهذه الجماعات لن يثنيهم هذا المشهد أو يردهم عن تأييد ومؤازرة تلك الحركات التي ترى فيها وسيلة قوية لهزم الظلم الأمريكي .
الفيلم يعيبه أيضاً التهويل الشديد لقوة الجماعات الإرهابية ، فهو يصورها على أنها تستطيع الهروب من أي سجن والدخول إلى أي بلد ، ولها قدرة فائقة على تهريب الأسلحة وإختراق أعتى الاجهزة الأمنية في العالم للتجسس صالحها ، ناهيك عن كثرة وتوالي الأعمال الإرهابية بالفيلم في عدة عواصم عالمية مما يوحي للمشاهد بسهولة تنفيذ تلك الهجمات في أي وقت ومتى ما تشاء الجماعات الإرهابية ، وهذا ما ينافي تماماً الواقع ! .
لكن فيما يبدو أن النظرة الأمريكية لأي عدو تعتمد في الأساس على التهويل من قدراته لتحفيز المجتمع الأمريكي على مجابهته دون تراخي أو استهتار .
الفيلم في مجمله فيلم جيد ، وأداء الممثلين فيه أداءٌ ممتاز وبالأخص أداء الممثل المغربي
Saïd Taghmaoui الذي قام بدور عمر ، والتنقل بين عواصم العالم المختلفة أضفى تشويقاً وغموضاً رائعين للفيلم ، والموسيقى التصويرية كانت جيدة جداً .

الجمعة، 14 نوفمبر 2008

الهوية الدينية المصرية .. تاريخ وأحداث وتحليل

لا يستطيع أي قارئ للواقع المصري أن يهمل في تحليله للمجتمع هوية المصريون الدينية ، ولا يستطيع أي باحث اجتماعي محترم إغفال تلك الهوية والتقليل من شأن تأثيرها على العقلية المصرية لما لها من قوة وسطوة حقيقية على سلوكيات الشعب المصري حتى في أكثر فئاته انحلالاً ، ولمحاولة فهم أبعاد هذه الشخصية وتفهم شكلها الموجود في الإطار الحالي للمجتمع المصري يجب علينا البدء في تقصي تاريخ صراعاتها وحضورها وانكساراتها وازدهارها في العصر الحديث للدولة المصرية ، فمنذ وصول الألباني الأصل " محمد علي " إلى سدة الحكم في مصر عام 1805 انتقلت مصر إلى مرحلة ما يسمى ضمنياً بمرحلة " الحداثة " ، حيث كان انبهار محمد علي بالنموذج الفرنسي على وجه الخصوص قد دفعه دفعاً إلى محاولة التقيد بإطار الحداثة على الطريقة الفرنسية فاتخذ خطوة أثرت كثيراً على الهوية المصرية غير عابئٍ بالتركيبة النفسية والتاريخية للمصريين ، فأنهى عهد الدولة الإسلامية وانتقل إلى الدولة العلمانية على الطريقة الفرنسية بعد أن نحى الشريعة الإسلامية واستبدلها بالقانون الفرنسي الوضعي .
لم تكن خطوة الاستبدال هذه التي قام بها محمد علي خطوة محسوبة بشكل أعمق من شكلها الظاهري والمتمثل باللحاق بركب الحداثة " الفرنسي " ، ولعل أصول الرجل الألبانية لها الأثر في ذلك ، فأي متأمل للتاريخ المصري وشخصية شعبه يجد أن الهوية الدينية هي العامل والمكون الرئيسي لشخصيته ، والانجراف نحو حداثة مستوردة من الخارج في قالب لا يناسب الهوية المصرية هو كمن يغزل الماء بالماء !
حاول محمد علي كثيراً أن يُخرج المصريين من هويتهم الدينية إلى هوية رآها هو أعم وأشمل ألا وهي الهوية الوطنية ، فقام باتخاذ إجراءات عديدة أميزها هو ابتعاث الشيخ الأزهري رفاعة الطهطاوي إلى فرنسا ليدرس هناك ثم يعود بعدها ليكًوِّن جيلاً من الأئمة وعلماء الدين على الطريقة الإسلامية الفرنسية بعد معارك ضارية خاضها الشيخ ضد شيوخ الأزهر التقليديين في هذا الوقت ، كما كان‏ ‏محمد‏ ‏علي‏ ‏أول‏ ‏حاكم‏ ‏مسلم‏ ‏ينادي بحقوق المواطنة فمنح‏ ‏الأقباط‏ ‏رتبة‏ ‏البكوية‏ ‏وعينهم‏ ‏كحكام‏ ‏أقاليم ‏(‏ رتبة‏ ‏المحافظ‏ ‏ورئيس‏ ‏المدينة‏ ‏حاليا‏ً ) مثل ‏بطرس‏ ‏أغا‏ ‏أرمانيوس‏ ‏حاكما‏ً ‏علي‏ ‏برديس‏ ، ‏وفرج‏ ‏أغا‏ ‏ميخائيل‏ ‏حاكما‏ ‏علي‏ ‏دير‏ ‏مواس‏ .. وغيرهم .
آمن المصريون كثيراً بفكر محمد علي واحترموه وخاضوا معه معاركه ضد الوهابية رمز الدولة الثيوقراطية آنذاك مؤمنين بأهمية الدولة الوطنية ، بل ازداد إيمانهم بالدولة الوطنية العلمانية فنشأ أول مجلس ‏‏نيابي‏ ‏في‏ ‏مصر‏ ‏عام‏ 1866 ‏وشمل‏ ‏قانون‏ ‏الترشيح‏ ‏المصريين‏ ‏عموما‏ ‏بغير‏ ‏تفريق‏ ‏بسبب‏ ‏الدين‏ ‏في‏ ‏حق‏ ‏الترشيح‏ ‏لعضوية‏ ‏المجلس‏ .
وكأي تجربة جديدة يخوضها الإنسان استمتع المصريون بتجربة محمد علي واستمروا فيها طويلاً وطوروها لتصبح أقرب للحلم الذي راود مخيلة محمد علي وهو يتخذ خطواته الأولى للحداثة ، فنشأت الأحزاب واشتدت المنافسة بينها وأصبح الشكل الليبرالي المصري أقرب للنموذجية في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين .
لكن الهوية المكونة لأي شعب قد تختفي لبعض الوقت لكنها لا تختفي كل الوقت ، فظهرت حركة الإخوان المسلمون عام 1928 على يد الشيخ حسن البنا الذي لاقت دعوته قبولاً غير متوقع لأي محلل اجتماعي وقتها ، فدعوة البنا أيقظت أو أحيت الهوية الدينية من جديد في الشخصية المصرية والتي كانت خاملة لبعض الوقت .
انتشار الفكر الإخواني لاقى استحسان جيد من القيادات آنذاك ، وأصبح فكراً وطنياً له تقديره بمشاركته الفعالة في الحركة الوطنية سواء ضد الاستعمار أو بعض المسئولون الفاسدون أو حتى في حرب 48 ، ولعب ذكاء حسن البنا في إرساء قواعد للجماعة ضمن إطار محدد يتناسب مع الوضع الاجتماعي الذي صنعه محمد علي والذي كان مازال يحكم المجتمع المصري آنذاك ، كما نجح في استمالة الشارع القبطي للحركة بصداقته القوية مع مكرم عبيد باشا أو على الأقل تحييد هذا الشارع تجاه حركته .
كانت فرصة البنا ذهبية جداً في وصول الإخوان إلى السلطة لو أمهله الوقت قليلاً حيث كانت المنافسة مع الأفكار المعاصرة آنذاك صراع نزيه وسهل على البنا الفوز به، لكن قيام الثورة قضى على حلم عودة الدولة الدينية ، بل قضى على أي فرصة للإسلاميين وغير الإسلاميين في الوصول إلى السلطة بعد انتهاء شهر العسل بين الليبرالية والدولة المصرية بعودة الأخيرة إلى ثكنة الديكتاتورية والاستبداد على يد الضباط الأحرار حتى وقتنا الحالي ، فانتقلت المنافسة مع الأيديولوجيات الموجودة ما قبل الثورة إلى صراع دموي مع فكر أحادي استبدادي يعتمد فقط على الأمر والنهي .
كان النمو الذي أحدثه البنا في الهوية الدينية المصرية أصعب من أن يحجم بخطابات الثورة عن القومية والاشتراكية ، لذا كان فكر الإخوان هو الخطر الأكبر على السلطة في نظر رجال الثورة وبالأخص بعد مظاهرة 28 فبراير عام 1954 ، لذا لجأ الضباط إلى الحل القمعي لتقويض الحركة وشلها أو بترها من المجتمع .
ونجحت الثورة في ذلك إلى حد كبير ، لكن مع انتكاسة الثورة الكبرى في يونيو 67 عاد الفكر الديني ليطرح نفسه بقوة على الساحة لكنه أجًّل الصراع مع السلطة حتى الانتهاء من أم المعارك مع إسرائيل ،ثم جاء السادات إلى السلطة بضعفه السياسي الداخلي أمام وحش الاتحاد الاشتراكي الذي منعه من التمتع بسلطاته كسلفه السابق عبد الناصر ، حتى استطاع القضاء عليه بلعبته السياسية الشهيرة وأصبحت السلطة خالصة مخلصة له ، لكن الشارع المصري لم يصبح بكامله في يد السادات حيث كان ملكاً للشيوعيين مما أرق ذلك السادات ودعاه إلى اللجوء إلى الغول الإخواني كي يدهس الفأر الشيوعي بمساندة ومباركة شخصية منه وكان له ما أراد ، لكن الغول الذي أخرجه السادات من القمقم قام بالتهامه في حادثة المنصة الشهيرة ويعود ذلك لثلاثة أسباب رئيسية أولهم شدة التعذيب والتنكيل الذي لاقاه الإسلاميون في معتقلات عبد الناصر جعلتهم في حاجة ملحة لوجود فكر شرعي يلبي لهم رغبتهم في الانتقام من السلطة وكان لهم ما أراد على يد محمود شاكر مؤسس الفكر التكفيري مع الشيخ عمر عبد الرحمن ، والسبب الثاني هو فتح الأبواب أمام الراغبين في الجهاد ضد السوفييت في أفغانستان إرضاءً للولايات المتحدة مما تركهم فريسة سهلة لاعتناق الفكر التكفيري وحمله إلى وطنهم الأم مصر لتطبيقه ، والسبب الثالث هي سياسات السادات الخارجية في الموالاة لأمريكا والصلح مع إسرائيل ، ناهيك عن محاولة السادات تعديل قانون الأحوال الشخصية المتبقي من إرث الحكم الإسلامي في دستور 71 من قانون سماوي إلى قانون وضعي مثل تونس والذي قوبل برفض جامح من المصريين .
وأصبح الفكر الإسلامي الوطني الذي نادى به حسن البنا أطلالاً بجانب رواج الفكر التكفيري في الثمانينات والتسعينات بسبب المعالجة الأمنية السيئة التي كانت تزيد من نار الصدور وشطط العقول ، وبسبب ضعف مؤسسة الدين الرسمية وهي الأزهر في تخريج علماء حقيقيين وليسوا مجرد إمعات جهلة تابعين للسلطة مما جعلهم غير مقبولين بتاتاً من المجتمع المصري ليتم استبدالهم بفتاوي الشيخ عمر عبد الرحمن وغيره من أئمة التطرف .
وبطريقة أو بأخرى استطاع الأمن المصري أن يحد كثيراً من تنامي هذه الحركات التكفيرية الإرهابية لكنه لم يستطع القضاء عليها نهائياً لأن القضاء عليها يتطلب تعاملاً فكرياً بحتاً .
ثم عاد الإخوان المسلمون إلى الطفو مرة أخرى على سطح المجتمع المصري ، واشتد عودهم وتنظيمهم ليتوغلوا في كل مؤسسات الدولة ويصبحوا الحركة المعارضة الفعلية رقم واحد على أرض مصر ، بعد أن قدموا أوراقهم كحركة سياسية للمجتمع المصري لاقت قبولاً من كثير من المصريين بدرجة توازي البغض الذي يلقاه الحزب الوطني ومؤسسة الرئاسة ، وكان هذا جرس إنذار قوي للحكومة المصرية التي تعد جمال مبارك ليكون وريثاً من بعد أبيه .
فتفشي الفساد والتخلف في المجتمع المصري دفع المصريين ذوي الهوية الدينية المتأصلة في شخصيتهم عبر التاريخ دفعاً نحو الوقوف بجانب المعارض الأكبر جماعة الإخوان ضد السلطة لعلهم يحققون لهم ما يحلمون به من عدل وتطور وحرية . ومع مضايقة الإدارة الأمريكية المستمرة بعد أحداث سبتمبر 2001 للحكومة المصرية ومطالبتها الأخيرة بتطبيق الديمقراطية وعدم التضييق على المعارضة وبما فيهم الإخوان ، كان المسئولون المصريون يتملصون من ذلك بحجة الفزاعة الإسلامية وأن الحكومة المصرية الصديقة لأمريكا إذا سقطت فسوف تأتي حكومة إسلامية لا محالة ، واستخدموا مصطلحات تخيف الأمريكيين كالإرهاب والجزية ( ضريبة الدم وهي تسقط حالياً عن المصري المسيحي لأنه ينخرط في الجيش وهي فتوى للدكتور عمارة ) وحقوق المرأة وإسرائيل والأقلية القبطية في مصر .
كما قاموا باستغلال خوف الولايات المتحدة من الإسلاميين بمحاربة الإخوان والقضاء عليهم ، وقدموا بديلاً وهمياً من الديمقراطية يرضي غرور مطالب الإدارة الأمريكية وهي التعديلات الدستورية الصورية الأخيرة وما تبعها من انتخابات الرئاسة الهزلية .
ولم تكتفي الحكومة المصرية بذلك للقضاء على التيار الإخواني ، بل عمدت إلى دعم الحركات الوهابية في مصر والتي تنادي بطاعة ولي الأمر وأخذت تقويها لتصبح خصماً قوياً يستطيع مواجهة الإخوان وبعض فلول التكفيريين وفكرة الثورة الخومينية الشيعية ، ثم تعدت ذلك وقامت بتنشيط الفتنة الطائفية بين المصريين لخلق حالة من الكراهية بين قطبي الأمة عن طريق غض الطرف عن بعض منظمات أقباط المهجر المتطرفة والتي تقوم ليل نهار بإثارة الأقباط المصريين ضد شركائهم في الوطن من المسلمين عن طريق فضائية الحياة أو المواقع الإلكترونية ، ولا أدل على هذا التواطؤ من استقبالاتهم الحافلة لبعض قيادات تلك المنظمات أمثال مايكل منير ومجدي خليل ، أو تركهم لبعض مواقع الانترنت القبطية المتطرفة جنباً إلى جنب مع بعض المواقع الإسلامية المتطرفة لإشعال المزيد من الفتنة بالرغم من أن الحكومة تقوم بفرض حجب على بعض المواقع السياسية الهامة المعارضة مثل موقع جبهة تحرير مصر ، هذا بالإضافة لتركهم إلى دعاة التطرف يصولون ويجولون في الفضائيات دون قيد أو منع .
نجاح الحكومة المصرية في إفشاء روح العداوة بين قطبي الأمة أضحى ملموساً ، ولا أدل من ذلك إلا وصول تلك الروح إلى رؤوس الطائفة الإسلامية ورؤوس الطائفة المسيحية والتي لا نستطيع إخفاءها بمأدبة إفطار رمضان أو قداس ليلة الميلاد اللذان يصوران كل عام وهما يجمعان شيخ الأزهر بالبابا ، بل تخطت الحكومة المصرية مرحلة إشعال الصراع الإسلامي الإسلامي أو الإسلامي القبطي إلى مرحلة القبطي القبطي مثل ما حدث مؤخراً في الصراع على البابوية بين الأنبا ماكسيموس وأنصاره والبابا شنودة وأنصاره .
اكتفى النظام المباركي بترك المصريون ينهشون في لحوم بعضهم البعض بدافع هويتهم الدينية وتلاعب بها لمصلحته الخاصة ، حتى يتفرغ للقلة الصغيرة من المعارضة والتي نأت بنفسها بعيداً عن هذا الصراع ففتك بها لضعفها وقلة حيلتها مثل ما حدث مع حزب الغد والوفد والناصري ، ليتم تفريغ الساحة تماماً لجمال مبارك ، وتقديم النظام المصري الحاكم للغرب في صورة النظام الأمثل الذي إن سقط ستشتعل مصر في حرب أهلية دينية على غرار حرب لبنان الأهلية في الثمانينات ، وأن الوحيد القادر على حفظ دور مصر التابع للغرب هو النظام المباركي الذي سيرعى مصالح الغرب وطفلهم المدلل إسرائيل ويواليهم بعكس الإسلاميين الذين كما صورهم الإعلام الحكومي بأنهم مجموعة من السفاحين الذين سيفتكون بالعالم ما إن وصلوا إلى الحكم .
المتأمل في تلك اللمحة التاريخية منذ دخول مصر إلى عصر الحداثة حتى وقتنا الحالي يجد أنه بالرغم من وصول العلمانيون والاشتراكيون والقوميون والرأسماليون والمستبدون إلى السلطة إلا أنهم لم يستطيعوا القضاء على الهوية الدينية المصرية التي تحول بينهم وبين التنعم بالسلطة في مصر ، حتى جاء الحزب الوطني واستفاد من كل دروس الماضي ولعب على هذا الكارت لصالحه بحرفية عالية بها كثير من الخسة والحقارة والتضحية بتاريخ أمة وشكلها الحضاري .
لم يشهد التاريخ المصري مثل هذا الاحتقان بين المسلمون وبعضهم البعض وبين المسلمون والمسيحيون وبين المسيحيون وبعضهم البعض مثل ما تشهده مصر في مثل هذه الأيام ، حيث نجح الحزب الوطني في تطبيق نظرية فرق تسد فيما فشل في تطبيقها صاحب النظرية الأم الاستعمار البريطاني وذلك لأن الأخير ووجه بحائط صد قوي من نخبة مثقفة وطنية لها قبول وحضور في الشارع المصري عكس واقعنا الحالي حيث لا توجد نخبة مثقفة واعية لها قبول أو حضور عند غالبية المصريين وهذا ما ساعد الحزب الوطني في تطبيق النظرية بسهولة ويسر .
سأذكركم وأذكر نفسي بأنه وبالرغم من تبعية الدولة المصرية للنظام الإسلامي قديماً إلا أنه لم يحدث أبداً تفشي لهذه الحالة من الكراهية بين أطياف المجتمع المصري بسبب الهوية الدينية مثل ما يحدث هذه الأيام .
ولنبدأ إلى ما قبل دخول الإسلام مصر حيث كان الأنبا بنيامين بابا الأسكندرية الثامن والثلاثين ، والذي عينه المقوقس حاكما وبطريركا على مصر من قبل هرقل الملك والذي كان على عقيدة مجمع خلقيدونية مثل المقوقس ، فشرع الأخير في اضطهاد الأقباط لأنهم لم ينقادوا لرأيه وطارد القديس بنيامين البطريرك الشرعي ، فهرب هذا الأب إلى الصعيد ، وكان يتنقل بين الكنائس والأديرة ، يثبت رعيته علي الإيمان ، ومكث على هذا الحال عشر سنوات حتى فتح المسلمون مصر ومات المقوقس ، ولما عاد الأنبا بنيامين إلى مقر كرسيه عينه عمرو بن العاص على إدارة شئون مصر الزراعية لثقته بحكمة وأمانة الرجل وعلمه .
أما في عصر الدول الإخشيدية كان محمد بن طغج الإخشيدي يحتفل مع الأقباط بعيد الغطاس في جزيرة في النيل ، وقد أوقدوا حوله ألف قنديل .
وفي الدولة الطولونية نعرف أن جامع أحمد بن طولون بناه سعيد بن كاتب الفرغاني ، وهو مهندس مسيحي ، طلب منه أحمد بن طولون أن يبني مسجده بغير عمدٍ تمتع النظر .
وفي الدولة الفاطمية كانت العلاقة طيبة جداً بين المسيحيين والمسلمين حتى إن يعقوب بن كلس اليهودي كان الوزير الوحيد في عهد المعز ، وعيسى بن نسطورس النصراني كان كذلك في عهد العزيز بن المعز ، مما يدل على أن غير المسلمين وصلوا إلى درجات كبيرة في الدولة الدينية الإسلامية.
كما نعلم أن صلاح الدين الأيوبي كرم أقباط مصر بكنيسة أنشأها لهم خصيصا في فلسطين حررها الله بسبب وقفتهم مع إخوانهم المسلمون ضد الحروب الصليبية ، على الرغم من أن الصليبيين قادمون وهم رافعون لواء الصليب الذي يقدسه الأقباط المصريون .
كما نتذكر أن بابا الكنيسة المصرية هو أول من رفض معاهدة نابليون على قتال المصريين المسلمين ووقف مع المسلمين ضد نابليون ، وضد المعلم يعقوب قائد كتيبة الأقباط وجرجس الجوهري أحد أعيان أقباط مصر وإخوانهم كلا من المعلم ملطي وأنفورني وحنين وفادوس والذين نجحوا في أن يجندوا حوالي 2000 قبطي ليحاربوا مع جيوش الاحتلال، لكن الأغلبية الساحقة من القبط المسيحيين وأهم رموزهم وكذلك قيادات الكنيسة الأرثوذكسية رفضت هذه الخيانة وواجهتها حتى فشلت الحملة الفرنسية وخرج المعلم يعقوب ونفر من أتباعه معهم ليلقى في البحر بعد أن مات على متن أحد سفن نابليون الهاربة .
كما حاول الاحتلال الإنجليزي أن يعبث بنفس الملف محرضاً مجموعة من الأقباط علي عقد مؤتمر في مدينة أسيوط يوم 6 مارس1911 سمي المؤتمر القبطي الأول كان الدافع إليه مطالب طائفية بتحريض من الاحتلال الإنجليزي ، لكن رد العقلاء من الزعماء المستنيرين من رجال حزب الأمة أو رجال الحزب الوطني الداعين إلى الوحدة الوطنية جاء بمؤتمر آخر عُقد في نفس العام يوم 29/4/1911 سمي المؤتمر المصري ، وتجاوز العقلاء من الطرفين هذه المحنة بأن الحل لا يكون في التمييز و إنما يكون في المزيد من الاندماج .
وقد عالجت هذا الأمر بشكل مثالي ثورة عام 1919 التي قادها المسلمون والمسيحيون ضد الاحتلال الإنجليزي وخطب القساوسة في الأزهر وخطب المشايخ في الكنائس، والذي تشكل علي إثرها الوفد المصري الذي فاوض باسم المصريين بزعامة سعد زغلول وانتهى إلى تأسيس حزب الوطنية المصرية آنذاك (حزب الوفد) ، ولكن الاحتلال حاول مرة أخرى شق الصف ومحو أثر ثورة 1919 فعين يوسف وهبه باشا رئيساً للوزارة في حماية الإنجليز إبان مقاطعة الشعب الثائر لسلطات الاحتلال ، ولكن الشاب القبطي عريان يوسف سعد تطوع لاغتيال يوسف وهبة باشا كي لا تكون فتنة إذا اغتاله أحد المسلمين .
كما حاول الاحتلال الإنجليزي أن يفرض حماية الأقليات في تصريح 28 فبراير عام 1922 والذي رفضه الأقباط المسيحيون قبل المسلمين، كما صاغ الجميع دستور عام 1923 على أساس المواطنة وعدم التمييز ورفض المسيحيون قبل المسلمون تخصيص حصة في المقاعد البرلمانية للأقباط ، ونجح كثير من الأقباط في دوائر أغلبيتها الكاسحة من المسلمين لأن الاختيار آنذاك كان على أساس الكفاءة وليس الدين ، فظل الأمر على هذا الحال حتى قيام حركة يوليو عام 1952م.
كما كان من أوائل الذين عملوا في مجال الاستخبارات المصرية وتجسسوا لصالح مصر على إسرائيل هو رجل مصري أرمني مسيحي اسمه كيبورك يعقوبيان ، ناهيك عن البطولات التي سمعنا عنها من قبل الأقباط في حرب 73 من أجل تحرير تراب وطنهم .
كل هذا وأكثر ستجدونه في التاريخ المصري قبل الحداثة في الدولة الإسلامية وبعد الحداثة في الدولة الوطنية لكن التاريخ لم يشهد مثل تلك الحالات من الاحتقان والكراهية الذي نشهده الآن بسبب فساد سياسات الحزب الحاكم داخل مصر من أجل البقاء في السلطة .
نخلص من هذا كله أن الهوية الدينية للإنسان المصري هي عامل أساسي وهام جداً في تكوينه النفسي والتاريخي ومن الغباء محاولة تنحيتها أو ازدرائها كما يحاول بعض العلمانيون الجدد ، فمحاولة انتزاعها منه هي أمر محال ، كما أن محاولة التلاعب بها من أجل مصالح وأغراض خاصة سيؤدي إلى عواقب وخيمة ، وأن استغلالها الاستغلال الأمثل وتنميتها بشكل إيجابي عن طريق علماء دين حقيقيين وحكام مخلصين لهذا الوطن هو السبيل الوحيد للارتقاء بمصر ووحدة صف شعبها .

الخميس، 13 نوفمبر 2008

الأهلي في الكاميرون ..صعوبات وحلول وآمال

تترقب الجماهير الأهلاوية في كل بقاع المعمورة بداية الشوط الثاني من النهائي القاري الإفريقي بين الأهلي المصري والقطن الكاميروني في مدينة جاروا الكاميرونية ، والذي انتهى شوطه الأول بينهما في القاهرة بنتيجة هدفين للاشيء للمارد الأحمر .
شوط من 90 دقيقة يفصل نادي القرن الإفريقي على تحقيق رقمه القياسي في عدد الفوز بدوري أبطال إفريقيا بست مرات مبتعداً عن غريمه الزمالك صاحب الألقاب الخمسة ، ورقم قياسي آخر بأنه الفريق الوحيد الذي يصل إلى مونديال اليابان للمرة الثالثة .
آمال كثيرة معلقة على أقدام لاعبي الأهلي ، آمال تتعلق بتسطير التاريخ ، والزهو ، وتأكيد الريادة والسيادة المصرية على القارة الإفريقية .
بالطبع المهمة ليست سهلة بتاتاً على الرغم من فوز الأهلي بهدفين للاشيء في إستاد القاهرة الدولي ، فلكل مباراة حساباتها وتكهناتها ، وأسود القطن الكاميروني وإن بدت بلا أنياب في القاهرة ، سيكون بالتأكيد لها شأن آخر في جاروا حيث الحسابات مختلفة .
الضغوطات كبيرة وكثيرة على لاعبي الأهلي ، فما بين آمال المصريين وطموحاتهم ، إلى الرغبة في الثأر من هزيمة العام الماضي على يد النجم التونسي بفعل فاعل مرفوع بالعرجون ، إلى الطموح في تحقيق الأرقام القياسية والتي دائماً ما يدفعهم لها رغبات البرتغالي مانويل جوزيه ومن وراءه جمهور لا يقبل سوى بالنصر دائماً .
الكاميرون أعدت عدتها تماماً لاستقبال هذا الحدث ، فدأبت الصحافة الكاميرونية بشحن الجمهور شحناً سلبياً بقصص مختلقة عن سوء ضيافة الأهلي لفريقيهم في مصر وعن جمهور الأهلي المتوحش الذي أثار الرعب في قلوب الأسود الكاميرونية قبل اللقاء فسبب لفريقهم هزيمة خاطفة في أول دقائق المباراة .
وبالطبع لا نستطيع الفصل بين مشجعين فريق القطن الكاميروني وبين مشجعي المنتخب الكاميروني الذي ذاق الهزيمة على يد المنتخب المصري مرتين في كأس الأمم الماضية أحدهما في المباراة النهائية على يد فارس الأهلاوية الأول أبو تريكة ، ومن قبلها في إقصاء منتخبهم عن الوصول لمونديال ألمانيا 2006 بهدف محمد شوقي لاعب الأهلي السابق .
لذا فإن اليافطات المطالبة بالثأر تعلو وجوه مشجعي القطن وتملأ جنبات مدينة جاروا بل الكاميرون كلها ، وعليه سيكون لاعبو الأهلي تحت ضغط جماهيري هائل من جمهور أقرب للغضب منه للحماس ، بل قد يكونوا وحيدين في جاروا إذا ما ألغيت الرحلة المخصصة لجماهير الأهلي الذاهبة إلى الكاميرون بداعي قلة العدد ! .
وبعيداً عن ما يدور خارج أرض الملعب ، فإن الفيصل الحقيقي للحصول على الكأس الحلم هو أرض الملعب .
جوزيه يمتلك حلولاً عدة وسيناريوهات متوقعة يستطيع التعامل معها للخروج بالمباراة إلى بر الأمان .
الحل الأول هو الدفع بثلاثة لاعبين في خط الوسط المدافع وهم بوجا وعاشور وأحمد حسن مع وجود بركات كظهير أيمن وجلبرتو كظهير أيسر ووجود تريكة وفلافيو كرأسي حربة مع ثبات ثلاثي الدفاع شادي وجمعة والسيد .
هذا الحل يفتقد إلى الديناميكية بالرغم من أنه الحل الدفاعي الأقوى ، فوجود الثلاثي بوجا وعاشور وأحمد حسن في وسط الملعب سيساعد كثيراً على حماية الخطوط الخلفية للنادي الأهلي وسيقلل من فرص القطن الكاميروني في الوصول إلى مرمى أمير ، وبالأخص أن الأهلي سوف يكون قد أبطل مفعولي القوة لدى فريق القطن وهما التسديد البعيد لوجود ثلاثي وسط في أرض الملعب يعملون كحائط صد ضد هذه التسديدات ، والآخر هو إيقاف ظهيري القطن واللذان يمتازان بالسرعة والمهارة وذلك بعد تثبيت كل من بركات وجلبرتو في مراكزهما الدفاعية ومطالبتهما بعدم المجازفة الهجومية وضم كل من بوجا يميناً وعاشور يساراً لمساندتهما بالإضافة للمساكين جمعة والسيد .
لكن العيوب في هذه الخطة هي الندرة الشديدة في إيصال الكرة لهجوم الأهلي حيث سيكون تريكة وفلافيو شبه معزولين بالأمام ، والحل لذلك هو تكليف أحمد حسن بواجبات هجومية بمساندة من أحد ظهيري الجنب بركات أو جلبرتو في اختراقاتهما التي ستكون شحيحة في المباراة نظراً لخطورة ظهيري جنب فريق القطن ، لكنه يعيب أحمد حسن سوء التمرير والذي قد يفقد الهجمة الأهلاوية أي فعالية ، لذا إن بقاء الأهلي في منطقته طوال المباراة دون تشكيل أي خطورة على مرمى الخصم سيشكل عبء كبير على الخطوط الخلفية للفريق الأحمر مما قد يتسبب في حدوث الأخطاء .
الحل الثاني وهو الأقرب لذهني هو الدفع ببركات كلاعب خط وسط مدافع كما حدث في مباراة القاهرة بجانب عاشور وبوجا ، واللعب بتريكة كخط وسط مهاجم وبقاء فلافيو وحيداً بالأمام مع الدفع بأحمد حسن ظهير أيمن لما له من صلابة دفاعية تميزه عن أحمد صديق ولا تقل كفاءة عن بركات وهو المطلوب منه في هذه المباراة .
ستكون نفس مميزات التشكيل السابق موجودة في هذا التشكيل ، لكن العيوب سوف تتلاشى بوجود لاعب مهاري في وسط الملعب المدافع يجيد افتكاك الكرة والمراوغة والتمرير المتقن والسرعة مثل بركات ووجود تريكة إلى جانبه مما سيشكل ثنائي فائق السرعة يستطيع إختراق دفاعات الخصم بسلاسة ويسر وهذا ما يميز بركات عن أحمد حسن ، كما أن وجود تريكة كلاعب وسط مهاجم لا يجرده من إمكانياته وقوته كما يحدث إذا تم اللعب به كرأس حربة ثاني بجانب فلافيو .
هذا الحل يمتاز بالتوازن الدفاعي والهجومي حيث لن يكون فريق الأهلي محاصراً داخل منطقته طوال المباراة وستكون له القدرة على مبادلة فريق القطن الهجمات ، مع عدم إعطاء الفرصة للاعبي الخصم بالوصول إلى مرمى أمير بسهولة .
قد يكون وجود أحمد فتحي في القائمة المغادرة للكاميرون هو تأكيد على تطبيق السيناريو الثاني بدلاً من الأول لما لأحمد فتحي من خبرة كبيرة في مركز الظهير الأيمن عن أحمد حسن ، وهو يمتاز أيضاً بالصلابة الدفاعية والقدرة على الاختراق ، لكن تبقى حسابات الدفع به على حساب أحمد حسن مغامرة قد لا تؤتي ثمارها على الرغم من تألق اللاعب في التدريبات والمباريات الودية .
هذان السيناريوهان هما الأقرب للواقع وإلى إمكانيات وطريقة لعب الفريقين وطموحاتهما ، قد يفاجئنا جوزيه بحل ثالث أو رابع ، وقد يستطيع مدرب فريق القطن أن يفك شفرة الفريق الأحمر ، هذا ما سننتظر لنراه في مباراة يوم الأحد .
ويبقى الفيصل في كل هذا هو التنفيذ الحرفي للخطة والابتعاد كل البعد عن أي خطأ بالتركيز الشديد ، وعدم ترك الحشود الجماهيرية الكاميرونية تؤثر على معنويات الفريق بالسلب ، أو ترك بعض قرارت الحكم الجزائري الخاطئة تخرج لاعبينا عن تركيزهم وشعورهم .
تسعون دقيقة لا أكثر تفصل بيننا وبين تحقيق الحلم ، تسعون دقيقة عصيبة سيختبر فيها المعدن الحقيقي للاعبي الأهلي ، وكلنا ثقة في الله ثم في رجال الأهلي على العودة مظفرين بالنصر بحول الله وإسعاد الجماهير المصرية كعادتهم دائماً .

الأحد، 9 نوفمبر 2008

الإخوان المسلمون ونظرية الخروف

لا يكاد يختلف مصريان على أن حركة الإخوان المسلمون هي ركيزة أساسية في الهوية السياسية المصرية منذ بداية القرن الماضي حتى وقتنا الحالي ، بل يتعدى الأمر ذلك إلى إختراق الهوية الدينية للمصريين عن طريق شيوخ الحركة بدءاً من مؤسسها الشيخ حسن البنا إنتهاءً بالقرضاوي .
كما لا يختلف أحد في مصر على أن حركة الإخوان المسلمون هي الحركة السياسية المعارضة الأقوى على الساحة ، بل الأقوى على الإطلاق إذا نحينا الجيش والشرطة المواليين للنظام المصري .
فعلى الرغم أنها عندما بدأت لم تكن في قوة وشعبية موازية لحزب الوفد آنذاك ، لكن دورها الوطني والإقليمي الذي يراه كثير من المصريين " دوراً مشرفاً " جعل من هذه الحركة القدرة على الاستمرار وزيادة الشعبية على مر العقود بالرغم من ضربات النظام لها .
المثير والعجيب في تاريخ الإخوان كحركة سياسية لها حضور طاغي في الأوساط الشعبية المصرية هي تعدد حالات الغباء السياسي في تاريخها بالإضافة إلى سكوتهم الدائم على ضربات النظام لهم بالرغم من قدرتهم على الرد وبقوة أيضاً لما يمتلكونه من قوة بشرية وتنظيمية وتأييد كبير من الشعب المصري .
نعود قليلاً إلى الوراء وبالتحديد إلى مظاهرة 28 فبراير عام 1954 ، تلك المظاهرة التي كانت لها القدرة على تغيير الخريطة السياسية المصرية إلى الأبد وبالتالي الخريطة العربية والإسلامية .
كانت إرهاصات التأزم السياسي بين الضباط الأحرار وحركة الإخوان المسلمون عام 1953 وإنقلاب الضباط ذوي الأيديولوجيات المختلفة عن أيديولوجية الإخوان على الإخوان المسلمون والسعي إلى إبعادهم عن أخذ نصيبهم في كعكة الثورة وإحتواءهم أو بمعنى أدق تحجيمهم هي السبب الرئيسي في أحداث 54 .
جاءت هذه الثورة التي كانت ثورة مليونية من المصريين بقيادة إخوانية خالصة مطالبة بالديموقراطية وتنحية العسكر عن السلطة وتسليمها إلى الأحزاب والدعوة إلى الانتخابات وغيرها من المطالب المشروعة لأي شعب حر في العالم .
ووقع الإخوان المسلمون في الفخ السياسي الثاني أو الثالث بمعنى أدق ، وطريقة وقوعهم فيه تنم عن غباء حاد في القيادات أو سذاجة وبلاهة مطلقة ، حيث تم صرف هذه المظاهرة عن طريق عبد القادر عودة بعد تعهد النظام بتنفيذ مطالب هذه المظاهرة ، لكن هذا الوعد كان حبراً على ورق .
وجاء يوم 5 مارس 1954 لتبدأ الحرب الحقيقية بين النظام والجماعة ، فدفع الإخوان المسلمون ثمن غباءهم السياسي وثقتهم في وعد الضباط الأحرار المئات من المعتقلين والشهداء داخل السجون ، وفطن النظام المصري إلى نقطتين هامتين بعد هذه المظاهرة تسببتا في خراب مصر السياسي والإنساني حتى وقتنا الحاضر ، النقطة الأولى هي عدم السماح لأي فكر سياسي أن يكون له قوة وتأييداً من الشعب حتى لو استلزم ذلك استخدام كافة وسائل البطش ، النقطة الثانية وهي نقطة أمنية بحتة تطبق من عام 1954 حتى وقتنا هذا وهي عدم السماح لتجمهر المصريين وإن حدثت مظاهرة أو أي نوع من أنواع التجمهر فإنه يجب محاصرتها في مهدها ووأدها قبل أن تستقطب مزيد من المؤيدين .
كان الثمن السياسي الذي دفعته مصر أكبر بكثير من الذي دفعه الإخوان ، فحالة التخلف والاستبداد والفقر والفساد الذي تعانيه الدولة المصرية حالياً هو أهم نتاج وأد ثورة 1954 وما خفي كان أكثر وأعظم .
مروراً بحادثة المنشية 26 أكتوبر 1954 " المفتعلة " اشتدت الحرب على الإخوان من النظام والذي اكتسب تعاطفاً كاسحاً من الشعب المصري المحب لعبد الناصر آنذاك ، حرباً نالت من كثير من شباب الحركة ورموزها على رأسهم المفكر سيد قطب .
شهدت الحركة الكثير من حملات الاعتقال والتضييق والمضايقات الأمنية على مر ما يزيد من 70 عاماً انتهاءً باعتقال 34 عضواً من حركة الإخوان في 23 أكتوبر 2008 الماضي .
قد يكون وصول 88 نائباً من الحركة إلى البرلمان المصري يعد إنجازاً يراه البعض في بدء الزحف السياسي للإخوان نحو السلطة .
لكن المتأمل في الخريطة السياسية المصرية الحالية قد يصاب بالدهشة المفرطة حينما يعلم أن الإخوان المسلمون لا يكاد يخلو مسجد في مصر من سطوتهم وتواجدهم ، ولا تكاد تخلو نقابة أو جامعة أو وزارة من وجودهم المنظم وبأعداد كبيرة ، بل الأكثر من ذلك هو توغلهم في مؤسستي الشرطة والجيش والصحافة والإعلام بأعداد جيدة ، ناهيك عن إنشاءهم العديد من المدارس الخاصة بهم يستطيعون من خلالها تربية النشء على فكرهم واستقطاب المزيد إلى حظيرة الإخوان ، بل الأهم من كل ذلك هو تعاطف عدد كبير من المصريين معهم قد يكون بسبب عوامل تاريخية لعلاقة الإخوان الطيبة مع الشعب وقد يكون بسبب الوازع الديني المكون للشخصية المصرية وقد يكون بغضاً في المستعمرين " الحزب الوطني " وهو ما ظهر في إنتخابات مجلس الشعب الأخيرة ، بالإضافة إلى امتيازهم بقدرة تنظيمية هائلة لا تكاد أن تكون في أقوى مؤسسات العالم ..كل هذه المميزات تعطيهم أفضلية كاسحة على أي حزب مصري متواجد حالياً .
بالله عليكم هل توجد حركة في العالم كله تمتلك كل هذه المقومات وترتعد فرائسها من عسكري أمن مركزي ؟!
هذا السؤال طرحته على صديق لي يعمل طبيباً وينتمي إلى حركة الإخوان ، عددت له تلك المقومات وسألته مستنكراً عن سر هذه الاستكانة والرضوخ لبطش النظام المصري بهم ؟!
فقال لي : إن منهج التغيير عند الإخوان يبدأ من أسفل السلم وليس من أوله وأن التغيير يحتاج إلى صبر إلخ إلخ ..
قاطعته قائلاً : إذا كان الإخوان يمتلكون القدرة على تخليص مصر من ويلات حكم الحزب الوطني فلماذا الصبر ؟! ، ثم إن الحزب الوطني يحكم مصر بالقوة وليس برغبة الشعب فهو يمتلك الجيش والشرطة ، والشعب أعزل ، وإذا أردت أن تغير النظام فعليك استخدام القوة أو إظهارها بشكل يهز النظام ويزيحه من على ظهورنا .
قال لي مستغرباً : هل تريد أن تغرق مصر في حمام من الدم ؟؟!!
قلت له : ومن قال أني أريد إغراق مصر في حمام من الدم ؟! ، إن النظام المصري هو أضعف وأهون بكثير من ينهار بحمام من الدم ، الأمر فقط يحتاج إلى تعليمات سرية من المرشد العام لكافة رجاله من الجماعة بالخروج في مظاهرة مليونية حاشدة في القاهرة ينضم لها بعض الحلفاء من بعض الحركات المعارضة مثل " كفاية " بالإضافة إلى ألوف المصريين الذين سيتشجعون برؤية هذا الحشد الضخم فينضمون للمظاهرة ، وأعتقد أنه عدد كافٍ جداً ليمنع الشرطة والجيش من التدخل ، وكافٍ أيضاً لارتعاد أوصال كل أقطاب الحزب الوطني فيهربوا إلى خارج مصر حيث أموالنا المنهوبة .
أعفيكم من استكمال الحوار فقد ساق لي صديقي حجج واهية ومبادئ فارغة لا تسمن ولا تغني من جوع .
الأمر فعلاً مثير للدهشة والاستغراب فإذا كان الإخوان قديماً كان باستطاعتهم تحرير المصريين من قبضة الديكتاتورية والفساد لكنهم فشلوا بسبب غباءهم السياسي فهم الآن أكثر عدداً وتنظيماً وقوة فما الذي يمنعهم من رفع الظلم الذي يقع على كثير من شباب الحركة سواء من إعتقالات أو اضطهاد في المؤسسات التعليمية والوظائف الحكومية ، ما الذي يمنعهم من قيادة الشعب المصري نحو تحريره من قبضة الحزب الوطني والوصول إلى السلطة كما يحلمون " ضمنياً " .
في محاولة تحليلي هذا الوضع الذي يذكرني بحالة اللاسلم واللاحرب بين السوفييت والأمريكيين قديماً استوقفني مشهد في فيلم الإمبراطورة الذي قامت ببطولته الممثلة نادية الجندي والممثل أحمد بدير ..مشهد يوضح كثيراً الوضع إلى عقول المصريين ، ففي هذا المشهد طلب الممثل سامي سرحان من أحمد بدير بإعطاء الشرطة خروف كل فترة حتى يرحموه من مطاردتهم له ويدعوه في شأنه ليبيع المخدرات بحرية ، فسأله أحمد بدير في بلاهة : يعني إيه خروف .. فرد عليه سامي سرحان قائلاً : خروف يعني صبي تبلغ عنه وتخليه يلبس قضية ، فانتفض أحمد بدير بأسلوب المعلم إياه المعروف في السينما المصرية قائلاً له : مش أنا اللي أخون حد من رجالتي ، فضحك سامي سرحان ضحكة إبليس قائلاً : أمال أنت عايز البوليس يبطل شغل ! .. لازم هما يشتغلوا واحنا نشتغل عشان العملية تمشي ..
هذا هو الواقع الحالي للعلاقة بين الإخوان المسلمون والسلطة ، فهم إنتقلوا من مرحلة الغباء السياسي إلى مرحلة مهادنة السلطة والرضوخ لمطالبها ورغباتها في مقابل بعض المكاسب الوهمية التي تتفضل حكومة الحزب الوطني بإلقائها لهم .
ففي مقابل السماح للإخوان بالوصول إلى البرلمان والسماح لهم بالتواجد في النقابات والجامعات وغيرها من المكاسب الوهمية ، فإن الحكومة تطالبهم برؤوس بعض الشباب كل فترة حتى لا يختل المشهد الظاهري الخاص بعداوة السلطة للإخوان ، وتطالبهم بعدم التدخل في مؤازرة عمال المحلة أو إنجاح حركة 6 إبريل وغيرها أو تقديم طلبات إحاطة ذات أهمية في مجلس الشعب ضد رموز الحزب في مقابل ترك قياداتهم بسلام .
كلها صفقات مشبوهة ومقززة تتم من تحت الطاولة بين النظام والإخوان والضحية هي مصر وشباب الإخوان ، فالإخوان يطبقون نظرية الخروف الخاصة بفيلم الإمبراطورة بحذافيرها مع النظام .
انحصر الطموح السياسي والتواجد الاجتماعي للإخوان في الإفيه المصري الشهير " خدوا كل اللي معايا وسيبوني أعيش " ، فتركوا الساحة لجمال مبارك ليبرز فيها وحيداً بأنه فارس مصر القادم وأنه بمؤتمراته السطحية في بعض القرى التي يريد أن يؤكد فيها ارتباطه الوثيق بالطبقات الدنيا في الشعب المصري ، وبأحاديثه الإعلامية الكثيرة التي يحاول فيها أن يبرز كرجل اقتصادي سياسي من الطراز الرفيع ليكسب ثقة المصريين .
وغيرها من الساحات التي بدأ الإخوان ينسحبون منها تباعاً ليحتلها الوريث الذي أجبرهم على التواجد في خانة " اليك " وتنفيذ رغباته ومطالبه كلها من أجل أن يتركهم يعيشون .
وياللعجب أن يخشى القوي سطوة الضعيف وبطشه ، لكن في مصر لا تستغرب شيئاً فالأعاجيب كثيرة والضحية واحدة وهو الوطن .

السبت، 8 نوفمبر 2008

الحكم بـ 70 جلدة علي مدرس مصري في السعودية بعد اتهامه بالتشهير بكفيله


08/11/2008
والدة المدرس: وزارة التجارة السعودية أمرت بالتشهير بالكفيل بعد فصل ابني تعسفياً.. والقضاء السعودي يعاقبه علي قرار «وزاري»
كتب: يوسف عبدربه
بعد أسبوعين من تفجر قضية حبس طبيبين مصريين 15 سنة وجلدهما 1500 جلدة في السعودية، قضت محكمة سعودية بحبس مدرس مصري 20 يوماً وجلده 70 جلدة بتهمة التشهير بكفيله.سافر المواطن محمد فتحي إبراهيم عفيفي، بصحبة زوجته للعمل مدرساً في السعودية في عام 2001، تحت كفالة عبدالرحمن سعد الحقباني مالك مدرسة الابتكارية الأهلية بالرياض، التي عمل بها المواطن، واستمر بالسعودية إلي أن أنجب 3 أبناء، بعدها ساءت العلاقات بينه وبين الكفيل. وتقول محاسن محمود عبدالجليل، 67 عاماً، والدة المدرس المصري، إن الكفيل بدأ يعامل ابنها معاملة غير لائقة حتي إن الكفيل طلب منه حمل أنبوبة غاز والصعود بها إلي أحد أدوار المدرسة، وهو ما رفضه المدرس تماماً، فتعسف الكفيل ضده وفصله من المدرسة قبل عامين تقريباً، وتقدم المدرس بشكوي ضد كفيله في مكتب العمل الذي أمر الكفيل بصرف مستحقاته المالية، غير أن الكفيل حرر الشيك رقم 907 بتاريخ 27/3//1427هـ ولم يصرف بسبب عدم مطابقة التوقيع، فتقدم المدرس بشكوي أخري إلي وزارة التجارة برقم 3178 تقسيم 27، وأصدرت وزارة التجارة القرار رقم 893/28 الذي يلزم الكفيل بصرف الشيك إضافة إلي تغريمه 5 آلاف جنيه، ونشر اسمه في جميع الغرف التجارية بالسعودية لمدة شهر تشهيراً به. وأصدرت وزارة الداخلية القرار رقم 356 بتاريخ 25/6/1428 هـ لتنفيذ قرار وزارة التجارة. وأضافت والدة المدرس أن الكفيل استعان بنائبه في المدرسة واسمه محمد عبدالله القفيلي، الذي رفع قضية ضد المدرس المصري يتهمه بالتشهير بالكفيل، وقضت المحكمة الجزئية في الرياض بجلد المدرس 70 جلدة وحبسه 20 يوماً منذ نحو 7 أشهر تقريباً. ولجأ المدرس إلي استئناف الحكم لكن المحكمة لم تحدد جلسة لنظر الاستئناف حتي الآن.وقالت والدة المدرس: قدمت العديد من الشكاوي لوزارة الخارجية المصرية حتي توكل محامياً سعودياً للدفاع عن ابني وحتي تتحرك السفارة المصرية بالسعودية لإنقاذه من الظلم، لكن «الخارجية لم تتحرك حتي الآن». وأضافت أن المدرس المصري طرد من مسكنه ويقيم ضيفاً لدي أحد زملائه، وأنها ترسل له مبالغ مالية بصورة منتظمة بعد أن فقد مصدر دخله بالسعودية
لا أعرف ماذا أقول ..؟؟
هل أقول لا تعليق ..أم أقول حسبي الله ونعم الوكيل ، فللأسف لا أملك إلا أن أقول هاتين الكلمتين .
بالأمس طبيبان مصريان حكم على كل منهما بـ1500 جلدة واليوم مدرس مصري يحكم عليه بـ70 جلدة لأنه تجرأ وتطاول على سيده السعودي !!
أيتها الحكومة المصرية القذرة ويا أيتها الخارجية المصرية المنحطة ماذا تريدون أن تفعلوا بالمصريين أكثر من ذلك ؟!
لقد كان المصري في زمان عبد الناصر والسادات يسمى بالمندوب السامي أما الآن فنحن أحط جنسيات الأرض ، سفاراتنا المبجلة كل دورها في الحياة هو نهب أموال العاملين بالخارج من خلال رسوم مبالغ فيها لأقصى درجة فقط لا غير ، لا دور آخر لها ، وإذا جاءها مصري شاكياً فإنه يطرد شر طردة .
إن الفلسطيني الذي ليس له دولة يعامل أفضل منا في الخارج ، اللبناني الذي تعتبر بلده أصغر من ثلث سيناء يعامل أفضل منا ، حتى البنغالي الذي كان إلى حد قريب أقل جنسيات الأرض مكانة الآن يعامل أفضل منا بسبب توجيهات الحكومة البنغالية لسفاراتها بالخارج بمساندة رعاياها .
إلا نحن ، فقد حُكم علينا بالذل في مصر والهوان خارجها ، وضاقت علينا الأرض بما رحبت .
ارحل يا مبارك فقد مرغت أنوفنا في الوحل ، وأكسيتنا عاراً وذلاً لا تمحوه السنون ..
لا أعرف هل أتحدث عن المصريين الذين يذبحون يومياً في العراق ، أم أتحدث عن المصريين الذين اختطفوا في سوريا وتم تعذيبهم وسرقة أموالهم ، أم أتحدث عن المعاملة القذرة التي يعاني منها المصريون في ليبيا ، أم أتحدث عن التعذيب القذر الذي تمارسه السلطات السعودية على المصريين في أراضيها ، حتى السودان والأردن ينظروا لنا نظرة دونية ...كل هذا هو ثمار وجودك الكئيب على سدة الحكم يا مبارك .
ولك الله يا شعب مصر ، مهان ومستضعف في وطنك ، عبد ذليل خارجه ..!!

الاثنين، 3 نوفمبر 2008

ما بين الخمسين في المائة و الصفر بالمائة ومأساة وطن

لا يستطيع أحد ما ممن شاهدوا رائعة المخرج صلاح أبو سيف " المواطن مصري " أن ينسى هذا الفيلم العبقري ، فمن يستطيع أن ينسى تلك الملامح البائسة للمجتمع المصري في مشاهد القرية والغفير والبيوت الطينية المتهاوية ، ومن يستطيع أن ينسى سطوة العمدة ( عمر الشريف ) وطغيانه وجبروته ومعاونة الفاسدين له أمثال ( حسن حسني ) ومساعدتهم له على تحقيق كل شيء يرغب به حتى ولو لأجل أن ترضى عنه زوجته ( صفية العمري ) وفي سبيل ذلك لا مانع من أن تدهس رقاب الغلابة ( عبد الله محمود ) من أجل بسمة على شفاه العمدة ، من يستطيع أن ينسى مشهد الحسرة وقسوة الألم على وجه ( عزت العلايلي ) وهو ينكر ابنه الشهيد ويكتم حزنه الهائل في قلبه من أجل أن لا يخسر كل شيء ضحى هو وابنه من أجله .
تلك هي أهم سمات الفيلم ، أو أهم لقطاته لدى الكثيرين ، لكن أكثر ما كان يبهرني في ذلك الفيلم هو ذلك المشهد في الحوار الذي يجمع بين كل من ( عبد الله محمود ) وأمه ( أنعام سالوسة ) وهي تذكره بأنه لو كان حصل على مجموع أكبر في الثانوية العامة من الخمسين في المائة لكان الآن يدرس في الجامعة وله مستقبل ، لكنه رد عليها بأنه ليس الوحيد الذي حصل على هذا المجموع فكل شيء حوله 50% حتى البلد نفسها حصلت على 50% .. تلك الجملة العبقرية التي قالها ( عبد الله محمود ) بمنتهى البراعة والأداء المتقن تجسد حالة وطن بأكمله في تلك الفترة .
ومرت السنين والسنين على إنتاج هذا الفيلم و سنين أكثر على الفترة التي كان يتحدث عنها حتى جاء عام 2005 لتحصل مصر على نتيجة أخرى غير التي ذكرها ( عبد الله محمود ) في فيلم " المواطن مصري " ، إنه صفر المونديال الشهير والذي لم يكن صفراً للرياضة فقط ، بل هو صفرٌ لكل شيء ليصف حالة وطن يعيش أسوأ مراحل تاريخه على الإطلاق .
وما بين 50% " المواطن مصري " إلى صفر " المونديال " قصة ما يزيد عن 30 عام من حياة وطن ، قصة مرت كشريط تسجيلي سريع أمام عقلي وأنا أتابع هذه الأيام فعاليات مؤتمر الحزب الوطني المستعمر لأرض مصر وشعبها .
لكن ما استفز مشاعري أو بمعنى أدق حرق الجزء المتبقي من دمي المجفف هو ذلك المؤتمر الصحفي الذي أعده الحزب وحضره جمع غفير من صحفيي الحكومة مع وجود دسيسة بينهم اسمه ( حسين عبد الغني – مراسل قناة الجزيرة ) وصحفي من الوفد لا أذكر اسمه لكني أذكر ملامحه المرتعدة عندما عَلى عليه صوت جمال مبارك وهو ينهره عن استخدام أي صفات قد تسيء إلى أعضاء المجالس المحلية العظماء أصحاب الإنجازات التي من كثرتها لا يمكن ذكرها .
ما علينا .. إن أكثر ما استفزني ليس وجود جمال مبارك كمتحدث رسمي عن شئون وطن بأسره وهو لا تاريخ له ولا حاضر ولا ( إن شاء الله) مستقبل ناهيك عن طريقة حديثه التي تكاد تشعرك أن كل شيء تمام التمام وعال العال وأنه صاحب العزبة الجديد " اسم الله عليه ، اسم الله عليه " ، أو وجود علي الدين هلال وزير الصفر واقف إلى جانبه مطأطئاً رأسه أمام رجل من عمر أحفاده خضوعاً وخوفاً فهو الذي كرمه برئاسة اللجنة الإعلامية في الحزب الوطني بالرغم من أنه لا يستطيع أن يكمل جملة عربية واحدة مفيدة وتكاد تشعر في حديثه أنه رجل في غيبوبة ، أو وجود صحفيين " مطبلاتية " لا يستطيعون طرح سؤال واحد مفيد ولا أعرف كيف أصبحوا صحفيين في قمم صحفية كالأخبار والأهرام والتي تحولت في عهد مبارك إلى روث أو أقل ، فهم في قمة الجهل والسذاجة لا يجيدون سوى التملق في جمال السيد جمال ، اللهم إلا مراسل قناة الجزيرة أ. حسين عبد الغني الذي حفظ ولو قليلاً ماء وجه الصحافة المصرية بأسئلته الجيدة ، ولم تستفزني وصلة الردح المتبادلة بين الحزب الوطني وأحزاب المعارضة الصورية ، أو قرار زيادة التمثيل النسائي في المراكز القيادية ومجلس الشعب وكأن مشكلة مصر تتلخص في ذلك ، ولم تستفزني حيرتي الدائمة ومحاولاتي المستميتة في فهم أيديولوجية الحزب الوطني والذي يجب أن يكون كأي حزب في العالم له أيديولوجية يؤمن بها لكني لم أجد لهم أيديولوجية سوى أيديولوجية السرقة والنهب .
كل هذا قد يكون شيء معتاد عليه في مثل هذه اللقاءات المعدة مسبقاً ، فسيناريوهاتها أضحت محفوظة أكثر من طريقة لعب الزمالك لجوزيه ، أو الدرس المكتوب 20 مرة على يد تلميذ لا يتجاوز 7 سنوات ، فهي مؤتمرات تعد بحنكة " أو بغباء بالنسبة لي " لتجميل صورة ملائكة الأرض أعضاء الحزب الوطني المستعمر لأرض مصر .
إذاً أين هو الذي استثارني وجعلني أستشيط غيظاً من هذا المؤتمر إذا كنت أنا معتاد منهم على الكذب والتدليس والضحك على الذقون والبلطجة السياسية أو " الداخلية " ؟!
الذي يفقع المرارة هو أنك ترى مسئولي وطنك أو بمعنى أدق " مغتصبيه " يتحدثون عن إنجازاتهم في وطن محصلة وضعه الحالي صفر ، يتحدثون عن ارتباطهم الوثيق بالمواطن البسيط وهمومه وهم حتى لا يعلمون عن مشاكله سوى قليل القليل .
في كل مرة كنت أبلع مائة شوال أحذية ماركة " بلغة " وأحياناً ماركة " قبقاب " وأنا أسمع أكاذيبهم ، لكن هذه المرة لم أستطع أن أبلع ما يقولونه وهذا ليس بسبب نفاد مخزون " البلغ والقباقيب " القابلة للبلع عندي ، بل لأن وضع مصر الحالي كارثي بأدق ما تحمله الكلمة من معنى ولا يحتمل السكوت .
فحجم الكوارث والنكبات والتدهور يزداد بمقدار الضعف عن كل عام ، وهم يتعاملون بمنتهى البرود مع هذا الوضع المأساوي ، لا يفكرون سوى بنهب المزيد من هذا الوطن وسحل شعبه وتدمير مستقبله أكثر فأكثر .
عودة إلى المؤتمر الصحفي البائس وإلى الأسئلة التي طرحها مراسل الجزيرة حسين عبد الغني فهي أهم ما قيل ضمن ساعة وربع من السخافات ، دعوني أتوقف أمام الإجابات التي قالها نابغة مصر الأول ووريث عرش مصر ، الفرعون المعظم " جمال مبارك " .
السؤال الأول كان يتعلق بمحاربة الفساد والاحتكار وكانت إجابة السيد جمال هي أن الحزب يحارب الفساد والفاسدين وأنه لم يساند فاسداً قط من قبل وأن القضاء بخير إلى آخره من كلام الإنشاء المحفوظ ، ولكم كنت أتمنى أن يعقب أ. حسين على كلام الوريث ويسأله عن يوسف والي راعي السرطان ومستورده المرفوع عليه مئات القضايا والذي لم يستطع أي قاضي أن يحضره ولو لمرة واحدة إلى قاعة المحكمة ، وكذلك الفاسد وزير الإسكان إبراهيم سليمان الذي أضاع على الدولة مليارات الدولارات في " كرشه النتن " والذي مثله مثل والي مرفوع عليه العديد من القضايا بسبب فساده ولم يحاكم ، أو كيف خرج النائب هاني سرور صاحب أكياس الدم الملوثة من خلف القضبان بعد " قتل " المستشار العشماوي القاضي المكلف بقضيته ! ، أو حدثنا عن كيف تم تهريب ممدوح إسماعيل من مصر وكيف أن القضاء والمدعي العام الاشتراكي والنائب العام كلهم متواطئون معه ويساعدونه على زيادة معاناة أهالي الضحايا أضعافاً مضاعفة وكيف كانت له كل هذه السلطة قبل أن تحدث حادثة العبارة المشئومة وهو مجرد نائب في مجلس الشورى ! ، أو حدثنا عن تهريب الآثار وفاروق حسني ، أو كيف تم تعيين قواد سابق وزيراً للإعلام ومن ثم رئيساً لمجلس الشورى بعد فصله سابقاً بفضيحة عام النكسة 1967 ، وكيف أن شخصاً مثل أحمد عز يتحكم في مصير ملايين من الشباب باحتكاره لسلعة هامة مثل الحديد ،وكيف وكيف وكيف ...
السؤال الثاني كان حول جدوى تنفيذ فكرة الضرائب المتصاعدة بدلاً من الوضع الضريبي الحالي ، وبعيداً عن " لك وعجن " السيد جمال مبارك ، فأي قانون ضرائب لن يؤتى بثماره في مصر إلا إذا كانت هناك آلية أفضل لتحصيل الضرائب من تلك الآليات السخيفة والتي تمنح مأمور الضرائب سلطة مطلقة في إذلال وابتزاز أصحاب المال .
السؤال الثالث حول الاستفادة من اقتراحات المعارضة في تحسين الوضع الاقتصادي وأنا أتوجه لحسين عبد الغني متهكماً وللسيد جمال سائلاً عن مدى الاستفادة التي تستفيد منها الدولة من المجالس القومية المتخصصة التي نفيت إليها كمال الشاذلي ليكون مشرفاً عليها والتي تحتوي على أفضل عقول مصر وتقدم تقاريراً سنوية في كافة المجالات لحل كثير من الأزمات ولكنها للأسف تلقى في القمامة ولا يعيرها أحد أي اهتمام ! ، إذا يا سيد حسين عن أي تعاون مع المعارضة تتحدث ؟! ، أليس من باب أولى التعاون مع المجالس القومية المتخصصة الحكومية وهي الجهة الرسمية المنوط بها وضع الحلول لأزمات الوطن ومشاكله .
أما السؤال الأخير عن التوريث فكانت إجابة السيد جمال عبارة عن استظراف وتهكم كعادته عندما يلقى عليه هذا السؤال الذي يؤرق مضاجع المصريين الذين يتخوفون من استمرار الحكم " المباركي " ثلاثين عاماً أخرى ..وإذا كان هذا السؤال محط سخرية منك يا سيادة الوريث فهو محط اهتمامنا لأننا ننتظر وبفارغ الصبر الخلاص من الحكم الجائر لأبيك ولسنا على استعداد لنتحمل المزيد معك .
هناك سؤال هام طرحه الصحفي محمود بكري لكن بسبب ضعف مستواه الصحفي المهني والثقافي استطاع جمال أن يتخلص من هذا السؤال ببراعة الأفاقين ، وهذا السؤال عن خبر جاء في جريدة الأهرام " الحكومية " عن أن هناك تقريراً يشير إلى رغبة الشباب المصري في ترك البلد وأن ولاءه لمصر أصبح في مهب الريح ، وبالرغم من تملص السيد جمال من الإجابة عن هذا السؤال الهام إلا أنني أقولها للأسف أن هذا الخبر صحيح مائة في المائة ، فهذا يا سيادة الوريث عهد الصفر ، إيمان الشباب بمستقبل في وطنهم هو في نظر الجميع أقرب للكفر ، وأنه لن يقدم لهم وطنهم شيئاً في يوم ما يستوجب عليه الشكر .
كنت أتمنى أن أجد صحفياً من ضمن الصحفيين يتناول بعض حبات " البرطعة " ويقوم بسؤال السيد جمال عن التعذيب في السجون الذي يصل إلى القتل وعن الحد من الصلاحيات المطلقة لضابط الشرطة المصري والذي تجعله إلهاً في زمن العولمة وعن مدى مشروعية ودستورية اعتقال الصحفيين وأصحاب الرأي والمعارضة وبالأخص أعضاء جماعة " الإخوان المسلمون " ، كنت أتمنى أن يسأله أحد عن وضع التعليم السيئ في مصر والذي هو عبارة عن سلخانة يتم تعذيب الأطفال فيها وتربيتهم على الذل والخضوع والخوف وإغلاق العقل وكره العلم والإبداع والابتكار ، فكيف نتحدث عن تنمية وطن ومستوى تعليمه أحط من قدر إبليس لدى رب العزة ! ، كنت أتمنى أن يسأله أحد عن وضع مصر السياسي المتدهور والذي أثر بالسلب على قيمة المواطن المصري خارج مصر وجعلته في المراتب الدنيا من الجنسيات .
لقد حصلت مصر على 50% في عام 1970 وهي في حالة حرب وجزء من أرضها محتل واقتصادها قائم على الاشتراكية ولا يساندها أحد من الدول العظمى غير دولة واحدة وهي الاتحاد السوفييتي ، أما الآن فقد حصلت على صفر وهي في حالة سلام وأرضها محررة بالكامل واقتصادها رأسمالي يدعم الاستثمارات ( كما يدَّعون ) وهناك انفتاح سياسي على كل دول العالم بما فيهم إسرائيل ! .
إذا أين الخلل في مأساة هذا الوطن ؟!

الأحد، 2 نوفمبر 2008

جوزيه ..ومصيدة الأسد القطني الكاميروني

فيما يبدو أن الألقاب التي تلقب بها فرق القارة السمراء لم تأتي هباءً وهذا ما لاحظته كثيراً من متابعتي للكرة الإفريقية على مر السنين ، فنيجيريا هي بلد النسور ، والجزائر هم محاربي الصحراء ، والكاميرونيين هم الأسود حتى ولو اختلفت الأسماء التي تمثلهم من قطن إلى صوف أو حتى نايلون ! .
طبيعة تلك الأسماء تظهر جلية على طريقة لعب أصحابها ، وكعادة الفراعنة على مر العصور هم أكبر مروضين للأسود الكاميرونية العاصية على كل فرق إفريقيا ، مستخدمين طريقة الاستثارة والانقضاض ومن ثم الترويض حتى يستكين الأسد لسوط الفرعون .
انتهى الشوط الأول من النهائي القاري باستاد القاهرة بين النادي الأهلي المصري وفريق القطن الكاميروني بنتيجة هدفين للاشيء وفي انتظار الشوط الثاني بالكاميرون .
هدفين خاطفين قد تكون سرعة إحرازهما مقاربة لسرعة الصوت إن لم تقارب الضوء في عيون متتبعي النهائي الحلم .
استطاع مانويل جوزيه أن يروض الأسود مستغلاً مبدأ الاستثارة مع فريق القطن الكاميروني ، فهذا الفريق يعشق الهجوم منذ بدء هذه الدورة حتى المباراة النهائية لا يعير اهتماماً لقوة خصمه وذكاءه ، فالهجوم عنده عقيدة راسخة سطرها خلال مشواره في البطولة بالعديد من الأهداف داخل وخارج ملعبه .
من هنا جاءت فكرة الاستثارة للأسود ، حين اعتمد جوزيه على توسيع الملعب وفتحه بسحب لاعبي القطن إلى نصف ملعب الأهلي ومن ثم الانقضاض بسرعة خاطفة على نصف ملعب الخصم بتمريرات سريعة مسبباً ربكة في خطوطه الخلفية تفقده أهم ما يملك من شراسة هجومية .
قام فريق الأهلي بالاعتماد على التمرير الهادئ في نصف ملعبه حتى يتم سحب أكبر عدد من لاعبي القطن إلى نصف ملعبه ومن ثم الانطلاق بتمريرتين أو ثلاثة إلى منطقة الخصم بسلاسة ويسر ومن ثم تشكيل خطر داهم على مرمى القطن .
هذا الأسلوب لا يمكن أن ينجح مع فريق متزن هجومياً ودفاعياً ، لأنه من الطبيعي أن يقوم لاعبي هجوم الخصم فقط بالضغط على المدافعين محاولين قطع الكرة ، لكن مبدأ استثارة الأسود الذي طبقه مانويل جوزيه كان يدفع أكبر عدد من لاعبي فريق القطن للضغط على مدافعين النادي الأهلي محاولين قطع الكرة فيتركون خطوطهم الخلفية في وسط الملعب دون عدد كافي يستطيع التصدي لمهارة لاعبي الوسط والهجوم الأهلاوي ، وهذا هو لب الخطة الأهلاوية في هذه المباراة ، فنحن جميعاً شاهدنا مانويل جوزيه في الشوط الأول وهو يطلب من اللاعبين الهدوء والتمرير الأرضي في الخلف وعدم اللجوء إلى الكرات الطولية السهلة على مدافعين القطن الكاميروني .
الخطة مبتكرة جداً ، ويكفي أن جوزيه أجبر مدرب فريق القطن أومبليون جويدو على طاعته عندما شاهدنا الأخير يعنف لاعبيه من وراء الخطوط لحثهم على الاندفاع الهجومي بأي شكل ، وهذا ما كان يريده بالضبط مروض الأسود لهذا اليوم مانويل جوزيه .
كانت المساحات شاسعة في الخطوط الخلفية الكاميرونية ولو كان مهاجمو ولاعبو خط وسط النادي الأهلي في نصف حالتهم المعروفة لكان انتهى اللقاء بما لا يقل عن أربعة أهداف ، حيث سنحت العديد من الفرص لكل من الأنجولي فلافيو وأبو تريكة وبركات والبديل سيد معوض .
تشكيلة اللقاء هي الأمثل حالياً للنادي الأهلي وهو يقارب التشكيل الذي لعب به الأهلي مباراة ديناموز هراري في زيمبابوي ، لكن الرأس المقلوب في زيمبابوي لم يكن مقلوباً هذا اليوم حيث مال تريكة إلى مساندة فلافيو هجومياً مما أضعف كثيراً من قوته وحد من خطورته الكاملة المعروفة عنه كلاعب وسط مهاجم ، فكان على بركات أن يستغل بسرعته المساحات في الخطوط الخلفية للقطن الكاميروني ليقوم بتمرير الكرة إلى كل من تريكة أو فلافيو .
نقاط ضعف الأهلي هذا اليوم تتلخص في نقطتين أولهما هي سوء انتهاء الهجمة من فلافيو وتريكة ، وثانيهما هي سوء التمريرات الأمامية لكل من أحمد حسن وأحمد صديق وإن كان يعذر صديق تكليفه الدفاعي الصارم بالحد من خطورة الجناح الأيمن لفريق القطن الكاميروني وعدم الاندفاع هجومياً ، أما أحمد حسن فلا أعرف ما سر هذا السوء في تمريراته الأمامية والتي قضت على أكثر من 70% من الهجوم الأهلاوي ، فاللياقة الذهنية للصقر المصري كانت أقرب للصفر في مباراة هذا اليوم وهي حالة لا أعرف هل ستراوده في مباراة العودة أم لا .. وأتمنى أن يستطيع أحمد حسن تعويض إخفاقه الهجومي في مباراة العودة حيث الفرص ستكون نادرة للفريق الأحمر تحت طوفان هجومي شرس من الأسود الكاميرونية .
التغييرات كانت جيدة فنزول أنيس بو جلبان في وسط الملعب وإرجاع بركات إلى مركز الظهير الأيمن أنعش الفريق بشكل جيد لخبرة بركات وقدرته على الأداء في هذا المركز أفضل من صديق بالإضافة إلى قدرته الفائقة في الاختراق من الجناح الأيمن وتمرير كرات سهلة للمهاجمين يستطيعون إحراز الأهداف منها ، أما نزول سيد معوض أنعش الجبهة اليسرى بعد خروج جلبرتو المنهك صعوداً للأمام والعودة للمساندة إلى الخلف ، وإن كان يعيب جوزيه اليوم هو تأخر نزول أسامة حسني بديلاً لفلافيو والذي ما كان يجب أن يخرج وكان الأولى هو أحمد حسن حتى يستطيع الأهلي أن يفرض على القطن الكاميروني عدم المجازفة الهجومية الزائدة بوجود مهاجمين عند منطقة جزاءه ومن ثم يخفف الضغط على لاعبي الدفاع وبالأخص كلاً من وائل جمعة وأحمد السيد .
حقيقة اتضح لي أن فريق القطن الكاميروني يعيبه فقط مستوى لاعبي الوسط المدافع وقلبي الدفاع فهما نقطة ضعف هذا الفريق بالإضافة إلى ميل كل من طرفي الملعب إلى الهجوم وعدم المساندة الدفاعية بالشكل المطلوب وهي ستكون في صالح النادي الأهلي إذا أحسن الاختراق من العمق لعدم إمكانية الاختراق من الجناحين الأهلاويين واللذان سيكونان مكلفان بمراقبة جناحي فريق القطن .
مباراة اليوم كان نجمها الأول هو مانويل جوزيه الذي تعود أن يكون نجماً في اللقاءات الكبرى والذي استطاع أن يستثير الفريق الكاميروني ومدربه لينفذا ما يريد حرفياً وترويضهما بشكل مبهر ، لكن شاء الله وما قدر فعل حيث لم يستطع لاعبو الأهلي ترجمة العديد من الفرص السهلة التي سنحت لهم إلى أهداف ، ومن ثم الانتهاء من النهائي في القاهرة بدلاً من انتظار ما يحدث في الكاميرون .
نتيجة هدفين للاشيء هي نتيجة جيدة لكنها ليست ممتازة ، ومن السهل على فريق مثل القطن يملك كل هذه الرغبة الهجومية أن يعوضهما .
وبالطبع سيكون لقاء العودة هو دفاعي بحت من النادي الأهلي والاعتماد على الهجمة المرتدة ، وسيكون أحمد حسن أو بركات هما المحرك الرئيسي لتنفيذها بشكل جيد لكن يجب على أحمد حسن أن يطور من تمريراته الأمامية بشكل إيجابي لأن فرص اليوم لن تعوض في ملعب القطن الكاميروني حيث عرين الأسد وبيته .
ونأمل من الله عز وجل أن تعود العروس الإفريقية إلى فارسها الحقيقي ، لتسعد جماهير الأهلي المتعطشة لهذه البطولة أكثر من أي بطولة مضت .