مازال هوس الحرب على الإرهاب يسيطر على مخيلة منتجي هوليود الأمريكية بالمناصفة مع قادتهم العسكريين والسياسيين ، فمن الملاحظ أنه في الآونة الأخيرة ازداد الاهتمام من قبل هوليود الأمريكية بفهم الشخصية العربية والإسلامية ، وفهم قضاياها ومحاولة فهم أو تفهم وجهة نظرها تجاه كل شيء قد يمتد أثره على أمريكا .
الأمر بالطبع ليس يسيراً في ظل النظرة الصهيوينة الأحادية المسيطرة على هوليود الأمريكية منذ نشأتها ، لكنه عالأقل هناك محاولات جادة لإخراج الشخصية العربية الإسلامية من الجانب الذي حشرته فيه هوليود وهي الشخصية السلبية السخيفة الشريرة الغبية الجشعة إلى إنسان مثلهم كل ما ينقصه هو قصور مستوى التقدم في مجتمعاته عن المجتمع الأمريكي .
لا أستطيع بالطبع تأريخ هذا التحول ، لكني عالأقل أتذكر بداياته مع فيلم The Kingdom of Heaven ، وفيلم Munich لستيفن سبيلبيرغ مروراً بفيلم The Kingdom انتهاءً بفيلمنا الذي سنتناول نظرة تحليلة له وهو فيلم Traitor .
بغض النظر عن اختلافنا أو اتفاقنا مع محتوى تلك الأفلام إلا أننا يجب أن نقر بحقيقة تغير النظرة الهوليودية للشخصية العربية إلى نظرة إيجابية أفضل ، محاولة بذلك تحليله وفهم أبعاده النفسية والاجتماعية .
فيلم Traitor هو فيلم تم إنتاجه عام 2008 للمخرج Jeffrey Nachmanoff بطولة Don Cheadle ذلك الشاب الأسود الظريف الذي عرفناه من سلسلة أفلام Ocean's 11 & 12 & 13 الشهيرة ، فيلم يبهرك ويجذبك إليه من أول لقطة ، وعلى الرغم من طول مدة الفيلم إلا أنك لا تشعر بالملل نهائياً ، وهو يحكي عن عميل للمخابرات الأميريكة من أصل سوداني يتم زرعه داخل خلية إرهابية من أجل التعرف على قادتها وعملائها في كل مكان بالعالم للقضاء عليها .
سلبيات الفيلم متعددة وتبدأ باسمه Traitor ومعناه الخائن ، وكما يتضح من سياق الفيلم أن هذه الخيانة من وجهة النظر الأمريكية هي خيانة رائعة وجميلة تنقذ أرواح الآلاف من الأمريكيين ، لكن اختيار هذا الاسم سيكون له تأثير سلبي على الطائفتين المعارضة لما فعله البطل والموافقة له ، فالمعارضون لما قام به سمير هارون بطل الفيلم سيجدون في اسم الفيلم أبلغ تعبير على رفضهم لما قام به ورفض رسالته وسيقولون بمنتهى البساطة أنه مجرد خائن يكرمه الأمريكيون ويجب أن لا نقتدي به ، أما المؤيدون لما فعله سمير سيجدون حائلاً كبيراً بين تأييدهم للبطل وتكريمهم له وكرههم لصفته المطلقة عليه في عنوان الفيلم .
يبدأ الفيلم في محطته الأولى وما أكثر تنقلاته بين بلدان العالم ، في السودان لطفل صغير يصلي بجانب والده ويقرأ القرآن ويلعب معه الشطرنج ، حيث يقوم المخرج في هذا المشهد ببناء أرضية طيبة للبطل بأنه شخص متدين وذكي منذ نعومة أظفاره ومن ثم تأصيل تاريخ الشخصية النفسي ليسهل على المشاهد تفهمها ، ثم بعدها ينزل الوالد من المنزل ليركب سيارته والابن واقف في الشرفة يودعه ..لتنفجر سيارة الأب وسط ذهول الابن الصغير سمير .
المشهد الأول في الفيلم وهو بوابة الدخول للفيلم فيه خطأ تقني ساذج جداً وقع فيه المخرج وهو مشهد الصلاة عند وقوف الابن على يسار الأب في الصلاة في حين أن الأب هو الإمام ! ، وكلنا يعلم أن الإمام في الصلاة التي تجمع بين اثنين فقط يكون واقف على يسار المأموم وليس على يمينه ، قد يكون هذا المشهد صغيرٌ جداً ولا يتعدى الخمس ثوان وبالطبع فهو ليس له تأثير جوهري على أحداث الفيلم إلا أنه يفضح وبصورة هائلة أن الإعداد لهذا الفيلم لم يكن بالشكل المطلوب وكان إعداداً بالصورة التقليدية منطلقين من مبدأ رغبتهم في مخاطبة المجتمع الأمريكي فقط عبر هذا الفيلم والذي بالتأكيد لن يهتم لمثل هذه الفرعيات .
كما وضحت سابقاً أن هذا الخطأ يوضح بشكل هام أن المخرج لم يهتم بفرعيات الفيلم التي تخدم مصداقية القصة ، لذا تعدى خطأه هذا إلى الأخطاء اللغوية للعرب الذين ظهروا في الفيلم في لغة عربية ركيكة مصطنعة إلى أبعد الحدود ..وكان الأولى هو الإتيان بعرب حقيقيين ليتحدثوا بلهجات الدول التي سيمثلونها في الفيلم أو الإبقاء على نفس الممثلين مع جعل اللغة الإنجليزية هي اللغة السائدة في الحديث وهذا لن يؤثر على واقعية الفيلم من قريب أو من بعيد ، لكن أن يتم التحدث باللهجات العربية بهذه الركاكة المصطنعة فهو أمر يثير الاستياء ، فالفيلم حسب ما شاهدنا يبدو أن إنتاجه تكلف ميزانية هائلة لذا إن إعطاء هذه الفرعيات بعض الاهتمام كان سيضفي كثير من التعمق في الشخصيات مثل فيلم Munich للعبقري ستيفن سبيلبيرج الذي لم يدع أدنى الفرعيات تهرب من بين يديه .
الفيلم ناقش بصورة معمقة وجهة نظر الجماعات الإرهابية التي تعادي الولايات المتحدة الأمريكية في مشاهد عدة أبرزها المشهد الذي يجمع سمير وعمر بالأطفال في فرنسا ، كما أنه يعرض وجهة النظر الأمريكية بغطرستها المستفزة وسطحيتها الشديدة في تحليل الأمور وتجسد ذلك في دور الممثل Neal McDonough أو الضابط ماكس آرشر .
لكن الفيلم قام بطرح وجهة نظر جديدة وفريدة من نوعها تبعد كثيراً عن وجهة نظر الجماعات الإرهابية أو وجهة نظر الإدارة الأمريكية الدارجة أو المتعارف عليها من وسائل الإعلام .
فوجهة النظر التي قدمها سمير هارون وكما لخصها هو في آخر الفيلم عند حديثه مع Guy Pearce أو الضابط كلايتون تنطلق من المبدأ القرآني الوارد في آية 32 بسورة المائدة (من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ) حيث أن سمير يرى أن السلام بين الشعوب وحفظ أرواح البشر هو أهم شيء في الوجود ، وأن قتل الأبرياء من جانب تلك الجماعات يشوه صورة الإسلام .
وجهة نظر جديرة بالاحترام ، وتفعيلها في مشاهد الفيلم عبر شخصية سمير هارون كان على أعلى درجة ، فهو يرفض تماماً قتل أي من الأمريكيين والعرب على السواء وهذا اتضح في مشهد تفجير السفارة الأمريكية بفرنسا ومشهد دفاعه عن صديقه عمر في آخر الفيلم .
لكن وجهة النظر هذه عابها عدم اتساع نظرة التعاطف تجاه العرب ، من تعاطف سمير مع عمر لمجرد الصداقة إلى تعاطف كلي مع المسلمين والعرب في العراق وأفغانستان وفلسطين ، عكس ورودها متسعة في الفيلم تجاه الجانب الآخر لتشمل التعاطف مع الأمريكيين والغرب عموماً ، وهنا يجب طرح سؤال هام ..هل يجب أن نكون أصدقاء للغرب من منطلق إنساني أو سياسي كي ننال تعاطفهم ؟!
النظرة المثالية التي قدمها سمير في حديثه مع عمر وفريد وهم جالسون في مقهى بفرنسا عن الصفات التي يجب أن يتحلى بها المسلم هي أقرب للسذاجة منها إلى الواقع الخاص بهذا الفيلم .. فعندما أمرهم فريد بأن يشربوا الخمر كي لا يثيروا الشبهات حولهم رفض سمير في أول الأمر ذلك بحجة أن الخمر حرام وأنه لا داعي لها حيث أنهم غير مراقبون أو مهددون وعندما رد عليه فريد بأنه يجب أن نتظاهر بأننا مثل الآخرون حتى لا نلفت الأنظار مما قد يتسبب في فشل العملية فقال له سمير أن المسلم لا يكذب ! .. فيلم يتحدث عن جماعة إرهابية تنوي قتل المئات في بلاد الغرب وتريد أن تنصحها بعدم مشروعية هذه العمليات بأن تقول لهم بأن المسلم لا يكذب فهذه سطحية شديدة في مخاطبة الآخر وكأنك تنصح طفل صغير ، أما إذا كان الغرض من هذا المشهد هو تشويه صورة الجماعات الإرهابية فمحاولة الفيلم ستبوء بالفشل لأن فئة المخاطبون من هذا الفيلم من المؤيدين لهذه الجماعات لن يثنيهم هذا المشهد أو يردهم عن تأييد ومؤازرة تلك الحركات التي ترى فيها وسيلة قوية لهزم الظلم الأمريكي .
الفيلم يعيبه أيضاً التهويل الشديد لقوة الجماعات الإرهابية ، فهو يصورها على أنها تستطيع الهروب من أي سجن والدخول إلى أي بلد ، ولها قدرة فائقة على تهريب الأسلحة وإختراق أعتى الاجهزة الأمنية في العالم للتجسس صالحها ، ناهيك عن كثرة وتوالي الأعمال الإرهابية بالفيلم في عدة عواصم عالمية مما يوحي للمشاهد بسهولة تنفيذ تلك الهجمات في أي وقت ومتى ما تشاء الجماعات الإرهابية ، وهذا ما ينافي تماماً الواقع ! .
لكن فيما يبدو أن النظرة الأمريكية لأي عدو تعتمد في الأساس على التهويل من قدراته لتحفيز المجتمع الأمريكي على مجابهته دون تراخي أو استهتار .
الفيلم في مجمله فيلم جيد ، وأداء الممثلين فيه أداءٌ ممتاز وبالأخص أداء الممثل المغربي Saïd Taghmaoui الذي قام بدور عمر ، والتنقل بين عواصم العالم المختلفة أضفى تشويقاً وغموضاً رائعين للفيلم ، والموسيقى التصويرية كانت جيدة جداً .
الأمر بالطبع ليس يسيراً في ظل النظرة الصهيوينة الأحادية المسيطرة على هوليود الأمريكية منذ نشأتها ، لكنه عالأقل هناك محاولات جادة لإخراج الشخصية العربية الإسلامية من الجانب الذي حشرته فيه هوليود وهي الشخصية السلبية السخيفة الشريرة الغبية الجشعة إلى إنسان مثلهم كل ما ينقصه هو قصور مستوى التقدم في مجتمعاته عن المجتمع الأمريكي .
لا أستطيع بالطبع تأريخ هذا التحول ، لكني عالأقل أتذكر بداياته مع فيلم The Kingdom of Heaven ، وفيلم Munich لستيفن سبيلبيرغ مروراً بفيلم The Kingdom انتهاءً بفيلمنا الذي سنتناول نظرة تحليلة له وهو فيلم Traitor .
بغض النظر عن اختلافنا أو اتفاقنا مع محتوى تلك الأفلام إلا أننا يجب أن نقر بحقيقة تغير النظرة الهوليودية للشخصية العربية إلى نظرة إيجابية أفضل ، محاولة بذلك تحليله وفهم أبعاده النفسية والاجتماعية .
فيلم Traitor هو فيلم تم إنتاجه عام 2008 للمخرج Jeffrey Nachmanoff بطولة Don Cheadle ذلك الشاب الأسود الظريف الذي عرفناه من سلسلة أفلام Ocean's 11 & 12 & 13 الشهيرة ، فيلم يبهرك ويجذبك إليه من أول لقطة ، وعلى الرغم من طول مدة الفيلم إلا أنك لا تشعر بالملل نهائياً ، وهو يحكي عن عميل للمخابرات الأميريكة من أصل سوداني يتم زرعه داخل خلية إرهابية من أجل التعرف على قادتها وعملائها في كل مكان بالعالم للقضاء عليها .
سلبيات الفيلم متعددة وتبدأ باسمه Traitor ومعناه الخائن ، وكما يتضح من سياق الفيلم أن هذه الخيانة من وجهة النظر الأمريكية هي خيانة رائعة وجميلة تنقذ أرواح الآلاف من الأمريكيين ، لكن اختيار هذا الاسم سيكون له تأثير سلبي على الطائفتين المعارضة لما فعله البطل والموافقة له ، فالمعارضون لما قام به سمير هارون بطل الفيلم سيجدون في اسم الفيلم أبلغ تعبير على رفضهم لما قام به ورفض رسالته وسيقولون بمنتهى البساطة أنه مجرد خائن يكرمه الأمريكيون ويجب أن لا نقتدي به ، أما المؤيدون لما فعله سمير سيجدون حائلاً كبيراً بين تأييدهم للبطل وتكريمهم له وكرههم لصفته المطلقة عليه في عنوان الفيلم .
يبدأ الفيلم في محطته الأولى وما أكثر تنقلاته بين بلدان العالم ، في السودان لطفل صغير يصلي بجانب والده ويقرأ القرآن ويلعب معه الشطرنج ، حيث يقوم المخرج في هذا المشهد ببناء أرضية طيبة للبطل بأنه شخص متدين وذكي منذ نعومة أظفاره ومن ثم تأصيل تاريخ الشخصية النفسي ليسهل على المشاهد تفهمها ، ثم بعدها ينزل الوالد من المنزل ليركب سيارته والابن واقف في الشرفة يودعه ..لتنفجر سيارة الأب وسط ذهول الابن الصغير سمير .
المشهد الأول في الفيلم وهو بوابة الدخول للفيلم فيه خطأ تقني ساذج جداً وقع فيه المخرج وهو مشهد الصلاة عند وقوف الابن على يسار الأب في الصلاة في حين أن الأب هو الإمام ! ، وكلنا يعلم أن الإمام في الصلاة التي تجمع بين اثنين فقط يكون واقف على يسار المأموم وليس على يمينه ، قد يكون هذا المشهد صغيرٌ جداً ولا يتعدى الخمس ثوان وبالطبع فهو ليس له تأثير جوهري على أحداث الفيلم إلا أنه يفضح وبصورة هائلة أن الإعداد لهذا الفيلم لم يكن بالشكل المطلوب وكان إعداداً بالصورة التقليدية منطلقين من مبدأ رغبتهم في مخاطبة المجتمع الأمريكي فقط عبر هذا الفيلم والذي بالتأكيد لن يهتم لمثل هذه الفرعيات .
كما وضحت سابقاً أن هذا الخطأ يوضح بشكل هام أن المخرج لم يهتم بفرعيات الفيلم التي تخدم مصداقية القصة ، لذا تعدى خطأه هذا إلى الأخطاء اللغوية للعرب الذين ظهروا في الفيلم في لغة عربية ركيكة مصطنعة إلى أبعد الحدود ..وكان الأولى هو الإتيان بعرب حقيقيين ليتحدثوا بلهجات الدول التي سيمثلونها في الفيلم أو الإبقاء على نفس الممثلين مع جعل اللغة الإنجليزية هي اللغة السائدة في الحديث وهذا لن يؤثر على واقعية الفيلم من قريب أو من بعيد ، لكن أن يتم التحدث باللهجات العربية بهذه الركاكة المصطنعة فهو أمر يثير الاستياء ، فالفيلم حسب ما شاهدنا يبدو أن إنتاجه تكلف ميزانية هائلة لذا إن إعطاء هذه الفرعيات بعض الاهتمام كان سيضفي كثير من التعمق في الشخصيات مثل فيلم Munich للعبقري ستيفن سبيلبيرج الذي لم يدع أدنى الفرعيات تهرب من بين يديه .
الفيلم ناقش بصورة معمقة وجهة نظر الجماعات الإرهابية التي تعادي الولايات المتحدة الأمريكية في مشاهد عدة أبرزها المشهد الذي يجمع سمير وعمر بالأطفال في فرنسا ، كما أنه يعرض وجهة النظر الأمريكية بغطرستها المستفزة وسطحيتها الشديدة في تحليل الأمور وتجسد ذلك في دور الممثل Neal McDonough أو الضابط ماكس آرشر .
لكن الفيلم قام بطرح وجهة نظر جديدة وفريدة من نوعها تبعد كثيراً عن وجهة نظر الجماعات الإرهابية أو وجهة نظر الإدارة الأمريكية الدارجة أو المتعارف عليها من وسائل الإعلام .
فوجهة النظر التي قدمها سمير هارون وكما لخصها هو في آخر الفيلم عند حديثه مع Guy Pearce أو الضابط كلايتون تنطلق من المبدأ القرآني الوارد في آية 32 بسورة المائدة (من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ) حيث أن سمير يرى أن السلام بين الشعوب وحفظ أرواح البشر هو أهم شيء في الوجود ، وأن قتل الأبرياء من جانب تلك الجماعات يشوه صورة الإسلام .
وجهة نظر جديرة بالاحترام ، وتفعيلها في مشاهد الفيلم عبر شخصية سمير هارون كان على أعلى درجة ، فهو يرفض تماماً قتل أي من الأمريكيين والعرب على السواء وهذا اتضح في مشهد تفجير السفارة الأمريكية بفرنسا ومشهد دفاعه عن صديقه عمر في آخر الفيلم .
لكن وجهة النظر هذه عابها عدم اتساع نظرة التعاطف تجاه العرب ، من تعاطف سمير مع عمر لمجرد الصداقة إلى تعاطف كلي مع المسلمين والعرب في العراق وأفغانستان وفلسطين ، عكس ورودها متسعة في الفيلم تجاه الجانب الآخر لتشمل التعاطف مع الأمريكيين والغرب عموماً ، وهنا يجب طرح سؤال هام ..هل يجب أن نكون أصدقاء للغرب من منطلق إنساني أو سياسي كي ننال تعاطفهم ؟!
النظرة المثالية التي قدمها سمير في حديثه مع عمر وفريد وهم جالسون في مقهى بفرنسا عن الصفات التي يجب أن يتحلى بها المسلم هي أقرب للسذاجة منها إلى الواقع الخاص بهذا الفيلم .. فعندما أمرهم فريد بأن يشربوا الخمر كي لا يثيروا الشبهات حولهم رفض سمير في أول الأمر ذلك بحجة أن الخمر حرام وأنه لا داعي لها حيث أنهم غير مراقبون أو مهددون وعندما رد عليه فريد بأنه يجب أن نتظاهر بأننا مثل الآخرون حتى لا نلفت الأنظار مما قد يتسبب في فشل العملية فقال له سمير أن المسلم لا يكذب ! .. فيلم يتحدث عن جماعة إرهابية تنوي قتل المئات في بلاد الغرب وتريد أن تنصحها بعدم مشروعية هذه العمليات بأن تقول لهم بأن المسلم لا يكذب فهذه سطحية شديدة في مخاطبة الآخر وكأنك تنصح طفل صغير ، أما إذا كان الغرض من هذا المشهد هو تشويه صورة الجماعات الإرهابية فمحاولة الفيلم ستبوء بالفشل لأن فئة المخاطبون من هذا الفيلم من المؤيدين لهذه الجماعات لن يثنيهم هذا المشهد أو يردهم عن تأييد ومؤازرة تلك الحركات التي ترى فيها وسيلة قوية لهزم الظلم الأمريكي .
الفيلم يعيبه أيضاً التهويل الشديد لقوة الجماعات الإرهابية ، فهو يصورها على أنها تستطيع الهروب من أي سجن والدخول إلى أي بلد ، ولها قدرة فائقة على تهريب الأسلحة وإختراق أعتى الاجهزة الأمنية في العالم للتجسس صالحها ، ناهيك عن كثرة وتوالي الأعمال الإرهابية بالفيلم في عدة عواصم عالمية مما يوحي للمشاهد بسهولة تنفيذ تلك الهجمات في أي وقت ومتى ما تشاء الجماعات الإرهابية ، وهذا ما ينافي تماماً الواقع ! .
لكن فيما يبدو أن النظرة الأمريكية لأي عدو تعتمد في الأساس على التهويل من قدراته لتحفيز المجتمع الأمريكي على مجابهته دون تراخي أو استهتار .
الفيلم في مجمله فيلم جيد ، وأداء الممثلين فيه أداءٌ ممتاز وبالأخص أداء الممثل المغربي Saïd Taghmaoui الذي قام بدور عمر ، والتنقل بين عواصم العالم المختلفة أضفى تشويقاً وغموضاً رائعين للفيلم ، والموسيقى التصويرية كانت جيدة جداً .