‏إظهار الرسائل ذات التسميات سياسة. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات سياسة. إظهار كافة الرسائل

الأحد، 9 نوفمبر 2008

الإخوان المسلمون ونظرية الخروف

لا يكاد يختلف مصريان على أن حركة الإخوان المسلمون هي ركيزة أساسية في الهوية السياسية المصرية منذ بداية القرن الماضي حتى وقتنا الحالي ، بل يتعدى الأمر ذلك إلى إختراق الهوية الدينية للمصريين عن طريق شيوخ الحركة بدءاً من مؤسسها الشيخ حسن البنا إنتهاءً بالقرضاوي .
كما لا يختلف أحد في مصر على أن حركة الإخوان المسلمون هي الحركة السياسية المعارضة الأقوى على الساحة ، بل الأقوى على الإطلاق إذا نحينا الجيش والشرطة المواليين للنظام المصري .
فعلى الرغم أنها عندما بدأت لم تكن في قوة وشعبية موازية لحزب الوفد آنذاك ، لكن دورها الوطني والإقليمي الذي يراه كثير من المصريين " دوراً مشرفاً " جعل من هذه الحركة القدرة على الاستمرار وزيادة الشعبية على مر العقود بالرغم من ضربات النظام لها .
المثير والعجيب في تاريخ الإخوان كحركة سياسية لها حضور طاغي في الأوساط الشعبية المصرية هي تعدد حالات الغباء السياسي في تاريخها بالإضافة إلى سكوتهم الدائم على ضربات النظام لهم بالرغم من قدرتهم على الرد وبقوة أيضاً لما يمتلكونه من قوة بشرية وتنظيمية وتأييد كبير من الشعب المصري .
نعود قليلاً إلى الوراء وبالتحديد إلى مظاهرة 28 فبراير عام 1954 ، تلك المظاهرة التي كانت لها القدرة على تغيير الخريطة السياسية المصرية إلى الأبد وبالتالي الخريطة العربية والإسلامية .
كانت إرهاصات التأزم السياسي بين الضباط الأحرار وحركة الإخوان المسلمون عام 1953 وإنقلاب الضباط ذوي الأيديولوجيات المختلفة عن أيديولوجية الإخوان على الإخوان المسلمون والسعي إلى إبعادهم عن أخذ نصيبهم في كعكة الثورة وإحتواءهم أو بمعنى أدق تحجيمهم هي السبب الرئيسي في أحداث 54 .
جاءت هذه الثورة التي كانت ثورة مليونية من المصريين بقيادة إخوانية خالصة مطالبة بالديموقراطية وتنحية العسكر عن السلطة وتسليمها إلى الأحزاب والدعوة إلى الانتخابات وغيرها من المطالب المشروعة لأي شعب حر في العالم .
ووقع الإخوان المسلمون في الفخ السياسي الثاني أو الثالث بمعنى أدق ، وطريقة وقوعهم فيه تنم عن غباء حاد في القيادات أو سذاجة وبلاهة مطلقة ، حيث تم صرف هذه المظاهرة عن طريق عبد القادر عودة بعد تعهد النظام بتنفيذ مطالب هذه المظاهرة ، لكن هذا الوعد كان حبراً على ورق .
وجاء يوم 5 مارس 1954 لتبدأ الحرب الحقيقية بين النظام والجماعة ، فدفع الإخوان المسلمون ثمن غباءهم السياسي وثقتهم في وعد الضباط الأحرار المئات من المعتقلين والشهداء داخل السجون ، وفطن النظام المصري إلى نقطتين هامتين بعد هذه المظاهرة تسببتا في خراب مصر السياسي والإنساني حتى وقتنا الحاضر ، النقطة الأولى هي عدم السماح لأي فكر سياسي أن يكون له قوة وتأييداً من الشعب حتى لو استلزم ذلك استخدام كافة وسائل البطش ، النقطة الثانية وهي نقطة أمنية بحتة تطبق من عام 1954 حتى وقتنا هذا وهي عدم السماح لتجمهر المصريين وإن حدثت مظاهرة أو أي نوع من أنواع التجمهر فإنه يجب محاصرتها في مهدها ووأدها قبل أن تستقطب مزيد من المؤيدين .
كان الثمن السياسي الذي دفعته مصر أكبر بكثير من الذي دفعه الإخوان ، فحالة التخلف والاستبداد والفقر والفساد الذي تعانيه الدولة المصرية حالياً هو أهم نتاج وأد ثورة 1954 وما خفي كان أكثر وأعظم .
مروراً بحادثة المنشية 26 أكتوبر 1954 " المفتعلة " اشتدت الحرب على الإخوان من النظام والذي اكتسب تعاطفاً كاسحاً من الشعب المصري المحب لعبد الناصر آنذاك ، حرباً نالت من كثير من شباب الحركة ورموزها على رأسهم المفكر سيد قطب .
شهدت الحركة الكثير من حملات الاعتقال والتضييق والمضايقات الأمنية على مر ما يزيد من 70 عاماً انتهاءً باعتقال 34 عضواً من حركة الإخوان في 23 أكتوبر 2008 الماضي .
قد يكون وصول 88 نائباً من الحركة إلى البرلمان المصري يعد إنجازاً يراه البعض في بدء الزحف السياسي للإخوان نحو السلطة .
لكن المتأمل في الخريطة السياسية المصرية الحالية قد يصاب بالدهشة المفرطة حينما يعلم أن الإخوان المسلمون لا يكاد يخلو مسجد في مصر من سطوتهم وتواجدهم ، ولا تكاد تخلو نقابة أو جامعة أو وزارة من وجودهم المنظم وبأعداد كبيرة ، بل الأكثر من ذلك هو توغلهم في مؤسستي الشرطة والجيش والصحافة والإعلام بأعداد جيدة ، ناهيك عن إنشاءهم العديد من المدارس الخاصة بهم يستطيعون من خلالها تربية النشء على فكرهم واستقطاب المزيد إلى حظيرة الإخوان ، بل الأهم من كل ذلك هو تعاطف عدد كبير من المصريين معهم قد يكون بسبب عوامل تاريخية لعلاقة الإخوان الطيبة مع الشعب وقد يكون بسبب الوازع الديني المكون للشخصية المصرية وقد يكون بغضاً في المستعمرين " الحزب الوطني " وهو ما ظهر في إنتخابات مجلس الشعب الأخيرة ، بالإضافة إلى امتيازهم بقدرة تنظيمية هائلة لا تكاد أن تكون في أقوى مؤسسات العالم ..كل هذه المميزات تعطيهم أفضلية كاسحة على أي حزب مصري متواجد حالياً .
بالله عليكم هل توجد حركة في العالم كله تمتلك كل هذه المقومات وترتعد فرائسها من عسكري أمن مركزي ؟!
هذا السؤال طرحته على صديق لي يعمل طبيباً وينتمي إلى حركة الإخوان ، عددت له تلك المقومات وسألته مستنكراً عن سر هذه الاستكانة والرضوخ لبطش النظام المصري بهم ؟!
فقال لي : إن منهج التغيير عند الإخوان يبدأ من أسفل السلم وليس من أوله وأن التغيير يحتاج إلى صبر إلخ إلخ ..
قاطعته قائلاً : إذا كان الإخوان يمتلكون القدرة على تخليص مصر من ويلات حكم الحزب الوطني فلماذا الصبر ؟! ، ثم إن الحزب الوطني يحكم مصر بالقوة وليس برغبة الشعب فهو يمتلك الجيش والشرطة ، والشعب أعزل ، وإذا أردت أن تغير النظام فعليك استخدام القوة أو إظهارها بشكل يهز النظام ويزيحه من على ظهورنا .
قال لي مستغرباً : هل تريد أن تغرق مصر في حمام من الدم ؟؟!!
قلت له : ومن قال أني أريد إغراق مصر في حمام من الدم ؟! ، إن النظام المصري هو أضعف وأهون بكثير من ينهار بحمام من الدم ، الأمر فقط يحتاج إلى تعليمات سرية من المرشد العام لكافة رجاله من الجماعة بالخروج في مظاهرة مليونية حاشدة في القاهرة ينضم لها بعض الحلفاء من بعض الحركات المعارضة مثل " كفاية " بالإضافة إلى ألوف المصريين الذين سيتشجعون برؤية هذا الحشد الضخم فينضمون للمظاهرة ، وأعتقد أنه عدد كافٍ جداً ليمنع الشرطة والجيش من التدخل ، وكافٍ أيضاً لارتعاد أوصال كل أقطاب الحزب الوطني فيهربوا إلى خارج مصر حيث أموالنا المنهوبة .
أعفيكم من استكمال الحوار فقد ساق لي صديقي حجج واهية ومبادئ فارغة لا تسمن ولا تغني من جوع .
الأمر فعلاً مثير للدهشة والاستغراب فإذا كان الإخوان قديماً كان باستطاعتهم تحرير المصريين من قبضة الديكتاتورية والفساد لكنهم فشلوا بسبب غباءهم السياسي فهم الآن أكثر عدداً وتنظيماً وقوة فما الذي يمنعهم من رفع الظلم الذي يقع على كثير من شباب الحركة سواء من إعتقالات أو اضطهاد في المؤسسات التعليمية والوظائف الحكومية ، ما الذي يمنعهم من قيادة الشعب المصري نحو تحريره من قبضة الحزب الوطني والوصول إلى السلطة كما يحلمون " ضمنياً " .
في محاولة تحليلي هذا الوضع الذي يذكرني بحالة اللاسلم واللاحرب بين السوفييت والأمريكيين قديماً استوقفني مشهد في فيلم الإمبراطورة الذي قامت ببطولته الممثلة نادية الجندي والممثل أحمد بدير ..مشهد يوضح كثيراً الوضع إلى عقول المصريين ، ففي هذا المشهد طلب الممثل سامي سرحان من أحمد بدير بإعطاء الشرطة خروف كل فترة حتى يرحموه من مطاردتهم له ويدعوه في شأنه ليبيع المخدرات بحرية ، فسأله أحمد بدير في بلاهة : يعني إيه خروف .. فرد عليه سامي سرحان قائلاً : خروف يعني صبي تبلغ عنه وتخليه يلبس قضية ، فانتفض أحمد بدير بأسلوب المعلم إياه المعروف في السينما المصرية قائلاً له : مش أنا اللي أخون حد من رجالتي ، فضحك سامي سرحان ضحكة إبليس قائلاً : أمال أنت عايز البوليس يبطل شغل ! .. لازم هما يشتغلوا واحنا نشتغل عشان العملية تمشي ..
هذا هو الواقع الحالي للعلاقة بين الإخوان المسلمون والسلطة ، فهم إنتقلوا من مرحلة الغباء السياسي إلى مرحلة مهادنة السلطة والرضوخ لمطالبها ورغباتها في مقابل بعض المكاسب الوهمية التي تتفضل حكومة الحزب الوطني بإلقائها لهم .
ففي مقابل السماح للإخوان بالوصول إلى البرلمان والسماح لهم بالتواجد في النقابات والجامعات وغيرها من المكاسب الوهمية ، فإن الحكومة تطالبهم برؤوس بعض الشباب كل فترة حتى لا يختل المشهد الظاهري الخاص بعداوة السلطة للإخوان ، وتطالبهم بعدم التدخل في مؤازرة عمال المحلة أو إنجاح حركة 6 إبريل وغيرها أو تقديم طلبات إحاطة ذات أهمية في مجلس الشعب ضد رموز الحزب في مقابل ترك قياداتهم بسلام .
كلها صفقات مشبوهة ومقززة تتم من تحت الطاولة بين النظام والإخوان والضحية هي مصر وشباب الإخوان ، فالإخوان يطبقون نظرية الخروف الخاصة بفيلم الإمبراطورة بحذافيرها مع النظام .
انحصر الطموح السياسي والتواجد الاجتماعي للإخوان في الإفيه المصري الشهير " خدوا كل اللي معايا وسيبوني أعيش " ، فتركوا الساحة لجمال مبارك ليبرز فيها وحيداً بأنه فارس مصر القادم وأنه بمؤتمراته السطحية في بعض القرى التي يريد أن يؤكد فيها ارتباطه الوثيق بالطبقات الدنيا في الشعب المصري ، وبأحاديثه الإعلامية الكثيرة التي يحاول فيها أن يبرز كرجل اقتصادي سياسي من الطراز الرفيع ليكسب ثقة المصريين .
وغيرها من الساحات التي بدأ الإخوان ينسحبون منها تباعاً ليحتلها الوريث الذي أجبرهم على التواجد في خانة " اليك " وتنفيذ رغباته ومطالبه كلها من أجل أن يتركهم يعيشون .
وياللعجب أن يخشى القوي سطوة الضعيف وبطشه ، لكن في مصر لا تستغرب شيئاً فالأعاجيب كثيرة والضحية واحدة وهو الوطن .

السبت، 8 نوفمبر 2008

الحكم بـ 70 جلدة علي مدرس مصري في السعودية بعد اتهامه بالتشهير بكفيله


08/11/2008
والدة المدرس: وزارة التجارة السعودية أمرت بالتشهير بالكفيل بعد فصل ابني تعسفياً.. والقضاء السعودي يعاقبه علي قرار «وزاري»
كتب: يوسف عبدربه
بعد أسبوعين من تفجر قضية حبس طبيبين مصريين 15 سنة وجلدهما 1500 جلدة في السعودية، قضت محكمة سعودية بحبس مدرس مصري 20 يوماً وجلده 70 جلدة بتهمة التشهير بكفيله.سافر المواطن محمد فتحي إبراهيم عفيفي، بصحبة زوجته للعمل مدرساً في السعودية في عام 2001، تحت كفالة عبدالرحمن سعد الحقباني مالك مدرسة الابتكارية الأهلية بالرياض، التي عمل بها المواطن، واستمر بالسعودية إلي أن أنجب 3 أبناء، بعدها ساءت العلاقات بينه وبين الكفيل. وتقول محاسن محمود عبدالجليل، 67 عاماً، والدة المدرس المصري، إن الكفيل بدأ يعامل ابنها معاملة غير لائقة حتي إن الكفيل طلب منه حمل أنبوبة غاز والصعود بها إلي أحد أدوار المدرسة، وهو ما رفضه المدرس تماماً، فتعسف الكفيل ضده وفصله من المدرسة قبل عامين تقريباً، وتقدم المدرس بشكوي ضد كفيله في مكتب العمل الذي أمر الكفيل بصرف مستحقاته المالية، غير أن الكفيل حرر الشيك رقم 907 بتاريخ 27/3//1427هـ ولم يصرف بسبب عدم مطابقة التوقيع، فتقدم المدرس بشكوي أخري إلي وزارة التجارة برقم 3178 تقسيم 27، وأصدرت وزارة التجارة القرار رقم 893/28 الذي يلزم الكفيل بصرف الشيك إضافة إلي تغريمه 5 آلاف جنيه، ونشر اسمه في جميع الغرف التجارية بالسعودية لمدة شهر تشهيراً به. وأصدرت وزارة الداخلية القرار رقم 356 بتاريخ 25/6/1428 هـ لتنفيذ قرار وزارة التجارة. وأضافت والدة المدرس أن الكفيل استعان بنائبه في المدرسة واسمه محمد عبدالله القفيلي، الذي رفع قضية ضد المدرس المصري يتهمه بالتشهير بالكفيل، وقضت المحكمة الجزئية في الرياض بجلد المدرس 70 جلدة وحبسه 20 يوماً منذ نحو 7 أشهر تقريباً. ولجأ المدرس إلي استئناف الحكم لكن المحكمة لم تحدد جلسة لنظر الاستئناف حتي الآن.وقالت والدة المدرس: قدمت العديد من الشكاوي لوزارة الخارجية المصرية حتي توكل محامياً سعودياً للدفاع عن ابني وحتي تتحرك السفارة المصرية بالسعودية لإنقاذه من الظلم، لكن «الخارجية لم تتحرك حتي الآن». وأضافت أن المدرس المصري طرد من مسكنه ويقيم ضيفاً لدي أحد زملائه، وأنها ترسل له مبالغ مالية بصورة منتظمة بعد أن فقد مصدر دخله بالسعودية
لا أعرف ماذا أقول ..؟؟
هل أقول لا تعليق ..أم أقول حسبي الله ونعم الوكيل ، فللأسف لا أملك إلا أن أقول هاتين الكلمتين .
بالأمس طبيبان مصريان حكم على كل منهما بـ1500 جلدة واليوم مدرس مصري يحكم عليه بـ70 جلدة لأنه تجرأ وتطاول على سيده السعودي !!
أيتها الحكومة المصرية القذرة ويا أيتها الخارجية المصرية المنحطة ماذا تريدون أن تفعلوا بالمصريين أكثر من ذلك ؟!
لقد كان المصري في زمان عبد الناصر والسادات يسمى بالمندوب السامي أما الآن فنحن أحط جنسيات الأرض ، سفاراتنا المبجلة كل دورها في الحياة هو نهب أموال العاملين بالخارج من خلال رسوم مبالغ فيها لأقصى درجة فقط لا غير ، لا دور آخر لها ، وإذا جاءها مصري شاكياً فإنه يطرد شر طردة .
إن الفلسطيني الذي ليس له دولة يعامل أفضل منا في الخارج ، اللبناني الذي تعتبر بلده أصغر من ثلث سيناء يعامل أفضل منا ، حتى البنغالي الذي كان إلى حد قريب أقل جنسيات الأرض مكانة الآن يعامل أفضل منا بسبب توجيهات الحكومة البنغالية لسفاراتها بالخارج بمساندة رعاياها .
إلا نحن ، فقد حُكم علينا بالذل في مصر والهوان خارجها ، وضاقت علينا الأرض بما رحبت .
ارحل يا مبارك فقد مرغت أنوفنا في الوحل ، وأكسيتنا عاراً وذلاً لا تمحوه السنون ..
لا أعرف هل أتحدث عن المصريين الذين يذبحون يومياً في العراق ، أم أتحدث عن المصريين الذين اختطفوا في سوريا وتم تعذيبهم وسرقة أموالهم ، أم أتحدث عن المعاملة القذرة التي يعاني منها المصريون في ليبيا ، أم أتحدث عن التعذيب القذر الذي تمارسه السلطات السعودية على المصريين في أراضيها ، حتى السودان والأردن ينظروا لنا نظرة دونية ...كل هذا هو ثمار وجودك الكئيب على سدة الحكم يا مبارك .
ولك الله يا شعب مصر ، مهان ومستضعف في وطنك ، عبد ذليل خارجه ..!!

الاثنين، 3 نوفمبر 2008

ما بين الخمسين في المائة و الصفر بالمائة ومأساة وطن

لا يستطيع أحد ما ممن شاهدوا رائعة المخرج صلاح أبو سيف " المواطن مصري " أن ينسى هذا الفيلم العبقري ، فمن يستطيع أن ينسى تلك الملامح البائسة للمجتمع المصري في مشاهد القرية والغفير والبيوت الطينية المتهاوية ، ومن يستطيع أن ينسى سطوة العمدة ( عمر الشريف ) وطغيانه وجبروته ومعاونة الفاسدين له أمثال ( حسن حسني ) ومساعدتهم له على تحقيق كل شيء يرغب به حتى ولو لأجل أن ترضى عنه زوجته ( صفية العمري ) وفي سبيل ذلك لا مانع من أن تدهس رقاب الغلابة ( عبد الله محمود ) من أجل بسمة على شفاه العمدة ، من يستطيع أن ينسى مشهد الحسرة وقسوة الألم على وجه ( عزت العلايلي ) وهو ينكر ابنه الشهيد ويكتم حزنه الهائل في قلبه من أجل أن لا يخسر كل شيء ضحى هو وابنه من أجله .
تلك هي أهم سمات الفيلم ، أو أهم لقطاته لدى الكثيرين ، لكن أكثر ما كان يبهرني في ذلك الفيلم هو ذلك المشهد في الحوار الذي يجمع بين كل من ( عبد الله محمود ) وأمه ( أنعام سالوسة ) وهي تذكره بأنه لو كان حصل على مجموع أكبر في الثانوية العامة من الخمسين في المائة لكان الآن يدرس في الجامعة وله مستقبل ، لكنه رد عليها بأنه ليس الوحيد الذي حصل على هذا المجموع فكل شيء حوله 50% حتى البلد نفسها حصلت على 50% .. تلك الجملة العبقرية التي قالها ( عبد الله محمود ) بمنتهى البراعة والأداء المتقن تجسد حالة وطن بأكمله في تلك الفترة .
ومرت السنين والسنين على إنتاج هذا الفيلم و سنين أكثر على الفترة التي كان يتحدث عنها حتى جاء عام 2005 لتحصل مصر على نتيجة أخرى غير التي ذكرها ( عبد الله محمود ) في فيلم " المواطن مصري " ، إنه صفر المونديال الشهير والذي لم يكن صفراً للرياضة فقط ، بل هو صفرٌ لكل شيء ليصف حالة وطن يعيش أسوأ مراحل تاريخه على الإطلاق .
وما بين 50% " المواطن مصري " إلى صفر " المونديال " قصة ما يزيد عن 30 عام من حياة وطن ، قصة مرت كشريط تسجيلي سريع أمام عقلي وأنا أتابع هذه الأيام فعاليات مؤتمر الحزب الوطني المستعمر لأرض مصر وشعبها .
لكن ما استفز مشاعري أو بمعنى أدق حرق الجزء المتبقي من دمي المجفف هو ذلك المؤتمر الصحفي الذي أعده الحزب وحضره جمع غفير من صحفيي الحكومة مع وجود دسيسة بينهم اسمه ( حسين عبد الغني – مراسل قناة الجزيرة ) وصحفي من الوفد لا أذكر اسمه لكني أذكر ملامحه المرتعدة عندما عَلى عليه صوت جمال مبارك وهو ينهره عن استخدام أي صفات قد تسيء إلى أعضاء المجالس المحلية العظماء أصحاب الإنجازات التي من كثرتها لا يمكن ذكرها .
ما علينا .. إن أكثر ما استفزني ليس وجود جمال مبارك كمتحدث رسمي عن شئون وطن بأسره وهو لا تاريخ له ولا حاضر ولا ( إن شاء الله) مستقبل ناهيك عن طريقة حديثه التي تكاد تشعرك أن كل شيء تمام التمام وعال العال وأنه صاحب العزبة الجديد " اسم الله عليه ، اسم الله عليه " ، أو وجود علي الدين هلال وزير الصفر واقف إلى جانبه مطأطئاً رأسه أمام رجل من عمر أحفاده خضوعاً وخوفاً فهو الذي كرمه برئاسة اللجنة الإعلامية في الحزب الوطني بالرغم من أنه لا يستطيع أن يكمل جملة عربية واحدة مفيدة وتكاد تشعر في حديثه أنه رجل في غيبوبة ، أو وجود صحفيين " مطبلاتية " لا يستطيعون طرح سؤال واحد مفيد ولا أعرف كيف أصبحوا صحفيين في قمم صحفية كالأخبار والأهرام والتي تحولت في عهد مبارك إلى روث أو أقل ، فهم في قمة الجهل والسذاجة لا يجيدون سوى التملق في جمال السيد جمال ، اللهم إلا مراسل قناة الجزيرة أ. حسين عبد الغني الذي حفظ ولو قليلاً ماء وجه الصحافة المصرية بأسئلته الجيدة ، ولم تستفزني وصلة الردح المتبادلة بين الحزب الوطني وأحزاب المعارضة الصورية ، أو قرار زيادة التمثيل النسائي في المراكز القيادية ومجلس الشعب وكأن مشكلة مصر تتلخص في ذلك ، ولم تستفزني حيرتي الدائمة ومحاولاتي المستميتة في فهم أيديولوجية الحزب الوطني والذي يجب أن يكون كأي حزب في العالم له أيديولوجية يؤمن بها لكني لم أجد لهم أيديولوجية سوى أيديولوجية السرقة والنهب .
كل هذا قد يكون شيء معتاد عليه في مثل هذه اللقاءات المعدة مسبقاً ، فسيناريوهاتها أضحت محفوظة أكثر من طريقة لعب الزمالك لجوزيه ، أو الدرس المكتوب 20 مرة على يد تلميذ لا يتجاوز 7 سنوات ، فهي مؤتمرات تعد بحنكة " أو بغباء بالنسبة لي " لتجميل صورة ملائكة الأرض أعضاء الحزب الوطني المستعمر لأرض مصر .
إذاً أين هو الذي استثارني وجعلني أستشيط غيظاً من هذا المؤتمر إذا كنت أنا معتاد منهم على الكذب والتدليس والضحك على الذقون والبلطجة السياسية أو " الداخلية " ؟!
الذي يفقع المرارة هو أنك ترى مسئولي وطنك أو بمعنى أدق " مغتصبيه " يتحدثون عن إنجازاتهم في وطن محصلة وضعه الحالي صفر ، يتحدثون عن ارتباطهم الوثيق بالمواطن البسيط وهمومه وهم حتى لا يعلمون عن مشاكله سوى قليل القليل .
في كل مرة كنت أبلع مائة شوال أحذية ماركة " بلغة " وأحياناً ماركة " قبقاب " وأنا أسمع أكاذيبهم ، لكن هذه المرة لم أستطع أن أبلع ما يقولونه وهذا ليس بسبب نفاد مخزون " البلغ والقباقيب " القابلة للبلع عندي ، بل لأن وضع مصر الحالي كارثي بأدق ما تحمله الكلمة من معنى ولا يحتمل السكوت .
فحجم الكوارث والنكبات والتدهور يزداد بمقدار الضعف عن كل عام ، وهم يتعاملون بمنتهى البرود مع هذا الوضع المأساوي ، لا يفكرون سوى بنهب المزيد من هذا الوطن وسحل شعبه وتدمير مستقبله أكثر فأكثر .
عودة إلى المؤتمر الصحفي البائس وإلى الأسئلة التي طرحها مراسل الجزيرة حسين عبد الغني فهي أهم ما قيل ضمن ساعة وربع من السخافات ، دعوني أتوقف أمام الإجابات التي قالها نابغة مصر الأول ووريث عرش مصر ، الفرعون المعظم " جمال مبارك " .
السؤال الأول كان يتعلق بمحاربة الفساد والاحتكار وكانت إجابة السيد جمال هي أن الحزب يحارب الفساد والفاسدين وأنه لم يساند فاسداً قط من قبل وأن القضاء بخير إلى آخره من كلام الإنشاء المحفوظ ، ولكم كنت أتمنى أن يعقب أ. حسين على كلام الوريث ويسأله عن يوسف والي راعي السرطان ومستورده المرفوع عليه مئات القضايا والذي لم يستطع أي قاضي أن يحضره ولو لمرة واحدة إلى قاعة المحكمة ، وكذلك الفاسد وزير الإسكان إبراهيم سليمان الذي أضاع على الدولة مليارات الدولارات في " كرشه النتن " والذي مثله مثل والي مرفوع عليه العديد من القضايا بسبب فساده ولم يحاكم ، أو كيف خرج النائب هاني سرور صاحب أكياس الدم الملوثة من خلف القضبان بعد " قتل " المستشار العشماوي القاضي المكلف بقضيته ! ، أو حدثنا عن كيف تم تهريب ممدوح إسماعيل من مصر وكيف أن القضاء والمدعي العام الاشتراكي والنائب العام كلهم متواطئون معه ويساعدونه على زيادة معاناة أهالي الضحايا أضعافاً مضاعفة وكيف كانت له كل هذه السلطة قبل أن تحدث حادثة العبارة المشئومة وهو مجرد نائب في مجلس الشورى ! ، أو حدثنا عن تهريب الآثار وفاروق حسني ، أو كيف تم تعيين قواد سابق وزيراً للإعلام ومن ثم رئيساً لمجلس الشورى بعد فصله سابقاً بفضيحة عام النكسة 1967 ، وكيف أن شخصاً مثل أحمد عز يتحكم في مصير ملايين من الشباب باحتكاره لسلعة هامة مثل الحديد ،وكيف وكيف وكيف ...
السؤال الثاني كان حول جدوى تنفيذ فكرة الضرائب المتصاعدة بدلاً من الوضع الضريبي الحالي ، وبعيداً عن " لك وعجن " السيد جمال مبارك ، فأي قانون ضرائب لن يؤتى بثماره في مصر إلا إذا كانت هناك آلية أفضل لتحصيل الضرائب من تلك الآليات السخيفة والتي تمنح مأمور الضرائب سلطة مطلقة في إذلال وابتزاز أصحاب المال .
السؤال الثالث حول الاستفادة من اقتراحات المعارضة في تحسين الوضع الاقتصادي وأنا أتوجه لحسين عبد الغني متهكماً وللسيد جمال سائلاً عن مدى الاستفادة التي تستفيد منها الدولة من المجالس القومية المتخصصة التي نفيت إليها كمال الشاذلي ليكون مشرفاً عليها والتي تحتوي على أفضل عقول مصر وتقدم تقاريراً سنوية في كافة المجالات لحل كثير من الأزمات ولكنها للأسف تلقى في القمامة ولا يعيرها أحد أي اهتمام ! ، إذا يا سيد حسين عن أي تعاون مع المعارضة تتحدث ؟! ، أليس من باب أولى التعاون مع المجالس القومية المتخصصة الحكومية وهي الجهة الرسمية المنوط بها وضع الحلول لأزمات الوطن ومشاكله .
أما السؤال الأخير عن التوريث فكانت إجابة السيد جمال عبارة عن استظراف وتهكم كعادته عندما يلقى عليه هذا السؤال الذي يؤرق مضاجع المصريين الذين يتخوفون من استمرار الحكم " المباركي " ثلاثين عاماً أخرى ..وإذا كان هذا السؤال محط سخرية منك يا سيادة الوريث فهو محط اهتمامنا لأننا ننتظر وبفارغ الصبر الخلاص من الحكم الجائر لأبيك ولسنا على استعداد لنتحمل المزيد معك .
هناك سؤال هام طرحه الصحفي محمود بكري لكن بسبب ضعف مستواه الصحفي المهني والثقافي استطاع جمال أن يتخلص من هذا السؤال ببراعة الأفاقين ، وهذا السؤال عن خبر جاء في جريدة الأهرام " الحكومية " عن أن هناك تقريراً يشير إلى رغبة الشباب المصري في ترك البلد وأن ولاءه لمصر أصبح في مهب الريح ، وبالرغم من تملص السيد جمال من الإجابة عن هذا السؤال الهام إلا أنني أقولها للأسف أن هذا الخبر صحيح مائة في المائة ، فهذا يا سيادة الوريث عهد الصفر ، إيمان الشباب بمستقبل في وطنهم هو في نظر الجميع أقرب للكفر ، وأنه لن يقدم لهم وطنهم شيئاً في يوم ما يستوجب عليه الشكر .
كنت أتمنى أن أجد صحفياً من ضمن الصحفيين يتناول بعض حبات " البرطعة " ويقوم بسؤال السيد جمال عن التعذيب في السجون الذي يصل إلى القتل وعن الحد من الصلاحيات المطلقة لضابط الشرطة المصري والذي تجعله إلهاً في زمن العولمة وعن مدى مشروعية ودستورية اعتقال الصحفيين وأصحاب الرأي والمعارضة وبالأخص أعضاء جماعة " الإخوان المسلمون " ، كنت أتمنى أن يسأله أحد عن وضع التعليم السيئ في مصر والذي هو عبارة عن سلخانة يتم تعذيب الأطفال فيها وتربيتهم على الذل والخضوع والخوف وإغلاق العقل وكره العلم والإبداع والابتكار ، فكيف نتحدث عن تنمية وطن ومستوى تعليمه أحط من قدر إبليس لدى رب العزة ! ، كنت أتمنى أن يسأله أحد عن وضع مصر السياسي المتدهور والذي أثر بالسلب على قيمة المواطن المصري خارج مصر وجعلته في المراتب الدنيا من الجنسيات .
لقد حصلت مصر على 50% في عام 1970 وهي في حالة حرب وجزء من أرضها محتل واقتصادها قائم على الاشتراكية ولا يساندها أحد من الدول العظمى غير دولة واحدة وهي الاتحاد السوفييتي ، أما الآن فقد حصلت على صفر وهي في حالة سلام وأرضها محررة بالكامل واقتصادها رأسمالي يدعم الاستثمارات ( كما يدَّعون ) وهناك انفتاح سياسي على كل دول العالم بما فيهم إسرائيل ! .
إذا أين الخلل في مأساة هذا الوطن ؟!