حقيقة لا أجد توصيفاً لما يجري في غزة وتداعيتها سوى هذا المصطلح الذي أطلقه الإعلامي أحمد المسلماني على قناة دريم " الفتنة الكبرى " ، فاللعبة التي قامت بها إسرائيل بكل كفاءة واقتدار قد نجحت في بعثرة الموقف العربي والفلسطيني من خلال اتهامات متبادلة حالت دون التحام الصفوف لمواجهة ما تفرضه عليها من تحديات .
الكل مدان في هذه لقضية والكل يتاجر بالدم الفلسطيني لصالحه في مشهد هزلي مقزز لم يمر على تاريخ البشرية ، ذاك المشهد الذي كان بإمكاننا تجنبه لو أن القائمين على حكم مصر ليسو مجموعة من هواة السياسة الفاسدين ، فزيارة وزيرة الخارجية الإسرائيلية لمصر قبل اجتياح غزة بيوم واحد هي من دق المسمار في نعش التوحد العربي ، تلك الزيارة التي اختارتها الإدارة الإسرائيلية باحترافية شديدة ولما لا فقد رشحت لها إحدى أهم مسئولين الموساد السابقين ليقوم بها بحرفية عالية من خلال مصافحات الحرباء ليفني لكل من المعتوهين مبارك وأبو الغيط ، وهنا نقطة مهمة تبين لنا مدى التخلف العربي في اختيار مسئوليه والذي فضحه ذكاء ليفني وغباء حارس دورة المياه " أبو الغيط " .
كان من الإمكان تجنب هذه المجزرة لو أن الإدارة المصرية تعاملت باحترافية وذكاء مع تلك الزيارة والتي وقف فيها " خيال المآتى " أبو الغيط صامتاً وهو يستمع لإعلان الحرب الإسرائيلي يتلى بجانب رأسه من قبل الحسناء ليفني والذي اكتفى صاحبنا بالتحديق في جمالها وتسنيدها ولهاناً بضحكاتها ، ولما لا فهو عجوز معتوه مثل كثير من الحكام العرب على استعداد أن يبيع وطنه في سبيل ضحكة رقيعة يسمعها من نساء بني صهيون.
هذه الزيارة تضعنا أمام احتمالين لا ثالث لهما ، إما أن الاستخبارات المصرية كانت نائمة ولم تبلغ القيادات السياسية بنية الكيان الصهيوني في غزو غزة مما وضع ساسة مصر في موقف حرج باستقبال تلك الوزيرة بحسن نية ، أو أن الاستخبارات المصرية كعهدنا بها دائما استخبارات قوية ووطنية قامت بدورها بتبليغ مبارك وصبيه أبو الغيط لكنهما بغباءهما السياسي وقعا في فخ إسرائيل ، وهنا يجب التنويه على أنه من الممكن أن تمتلك جهاز مخابرات على أعلى مستوى لكن تضيع جهوده بسبب غباء من يحكمون وهذا مثال اتضح في كثير من الحالات وأهمها الـKGB السوفييتية قديماً أفضل جهاز استخبارات عرفه التاريخ والذي كان يعمل تحت إمرة بضع من السفهاء أمثال ميخائيل جورباتشوف ، أو جهاز الاستخبارات البريطاني في إرهاصات الحرب العالمية الثانية .
انتهت الزيارة بمرها ومرها وأصبحت الأمة على اجتياح دموي لغزة الفلسطينية بحجة إطلاق حماس صواريخ " بمب " على أراضي إسرائيل ، وهنا لابد من وقفة أمام حماس تلك الحركة المتناهية الغباء السياسي وذلك بسبب رفضها تمديد الهدنة واعتقادها أنها في قوة مماثلة لحزب الله تستطيع أن توقع الخسائر في إسرائيل مثلما فعل نصر الله مع اليهود ، ناهيك عن غباءهم الغير مبرر في الدخول للانتخابات الفلسطينية قديماً بحجة محاربة الفساد الفتحاوي مما نتج عنه فوزهم بالسلطة وخسارة فلسطين لأي يد دولية قد تمتد لمساعدتها إذا ما حصل لها مكروه كما نجحوا بغباءهم في مساعدة إسرائيل بتقسيم فلسطين إلى دولتين هما غزة والضفة الغربية وهذا ما تحاول مصر متمثلة في عمر سليمان رئيس استخباراتها أن تمنعه .
نحن نعلم أن ألف باء سياسة تقتضي على الحمساويين أن يدركوا بأنهم بسبب وصولهم للسلطة وجب عليهم تخليهم عن السلاح واعترافهم بإسرائيل كدولة ذات سيادة مثلما فعل الفتحاويين قبلهم كي يتمكنوا من التفاوض معها ومع الغرب على حقوقهم ، وهذا السبب هو الذي جعل الحكيم الشيخ ياسين عليه رحمة الله يرفض خوض الانتخابات بالرغم من يقينه بأن الفوز حليف حركته كما الشمس حليف النهار ، ولأنه كان يترك السياسة للفتحاويين والمقاومة للحمساويين حتى تستطيع أن تضغط على عدوك بكل الأوراق المتاحة ، أما الآن فقد خسرت فلسطين كل أوراقها بعراك الدجاج بين حماس وفتح على سلطة لدولة غير معترف بها ! .
لا أعلم حقيقة من هو الطرف الذي أجج في رأس هنية رفض التهدئة وأقنعه بقدرته على هزيمة إسرائيل بسلاح بدائي لا يستطيع صد جيش مدغشقر ناهيك عن إحدى أهم القوى العسكرية في العالم ؟! ، ولما لم يقم أحد بإفهام هنية حقيقة موقفه العسكري الذي يكاد يعادل صفراً فهو يستورد سلاحه من حكومة حليفة للغرب وإسرائيل ألا وهي حكومة مصر عن طريق الأنفاق ، ذاك السلاح الذي وجوده مثل عدمه ، على عكس حزب الله الذي فتحت له خزائن السلاح السوري والإيراني خلال سنين طوال .
وماذا كانت المحصلة أكثر من ثمانمائة شهيد فلسطيني ، وأربعة آلاف جريح ، ناهيك عن حجم الخراب والتدمير الذي أصاب البنية التحتية بغزة .
وبعد أن توصل العرب في مجلس الأمن بقرار لوقف إطلاق النار فوجئنا بالحمساويين يرددون كلام وزير خارجية سوريا وليد المعلم بأنهم لن يوافقوا على اتفاق ليسوا طرفاً فيه ، بالله عليكم هل هذا كلام عقلاء ؟! ، ما هذه المكابرة التي تمارسها حركة حماس على حساب الدم الفلسطيني من أجل تحقيق مكاسب مستحيلة من خلال اعتراف العالم بهم كحكومة فلسطينية ، أو انتصار وهمي من خلال إقناع الراي العام العالمي بأن حماس أجبرت إسرائيل على طلب وقف إطلاق النار من خلال قتلها لإسرائيليين لا يتجاوزون عدد أصابع اليدين في حين قتلت الأخرى المئات !!.
نأتي للدور العربي الذي انشق لفسطاطين أحدهما يهاجم مصر والآخر يدافع عن سياسات الاعتدال المتمثلة في مهادنة إسرائيل وطاعة أمريكا ، فخرجت علينا مظاهرات مليونية في سوريا حاملة صور للأسد بشار ويسبون النظام المصري ويدعون للمقاومة في حين أن الجولان لم تطلق فيها رصاصة منذ ما يزيد عن ثلاثون عاماً ناهيك عن اختراقات الطيران الإسرائيلي كل شهر تقريباً للحدود السورية وصولاً إلى دمشق دون تعرضها لبطارية دفاع جوي واحدة ! ، كما خرجت علينا المظاهرات في قطر المطالبة بالنصرة لإخوانهم في غزة في حين أنه لم يقم قطري واحد بالمطالبة بخلع العائلة الحاكمة القطرية التي تتمرغ يومياً في التراب اليهودي طالبة ود الكيان الصهيوني ، خرجت علينا أيضاً المظاهرات في اليمن واقتحم اليمنيون القنصلية المصرية في حين أن اليمن ارتعدت من إريتريا قديماً ولم تستطع مواجهتها بينما يطالب شعبها الآن بمحاربة إسرائيل ! ، كما خرجت علينا المظاهرات في المغرب تطالب بالثأر من إسرائيل وخرج المغاربة المقيمون في بلاد أوروبا بمهاجمة السفارات المصرية في حين أنهم لم يطلقوا رصاصة واحدة على أسبانيا التي تحتل سبتة ومليلة أو يهاجموا سفاراتها ، وكذلك الأردنيون خرجوا في مظاهرات تسب مصر وحكومتها وتهاجم سفارتنا بالأردن في حين لم يقم أردني واحد بمهاجمة الملك القزم عبد الله الخائن ابن الخائن حفيد الخائنين ومواقف عائلته يذكرها التاريخ بكل قذارتها ، حتى السودانيين خرجوا بقيادة البشير المظفر في مظاهرات مليونية لمهاجمة مصر والصمت العربي والإسرائيليين ولم يقوموا بخطوة إيجابية واحدة تجاه بلدهم الخرب من كل أنواع الحروب والصراعات ، مئات من المواقف المتناقضة شقت الصف العربي بسبب غباء الموقف الرسمي المصري ، وانقاد العرب بغوغائية شديدة تجاه سب بعضهم البعض تاركين العدو يمرح ويسرح بطائراته فوق سماء غزة كما خطط وحسب سابقاً .
نأتي للمعسكر السوري الإيراني الذي استغل ما يحدث بقذارة وقحة ليجبر الغرب على التعامل معه واعتباره لاعباً أساسياً في أحداث الشرق الأوسط مما سيجنبهم الغضب الأمريكي مستقبلاً وهذا ما يتضح جلياً في الدور الإيراني الذي تلعبه في العراق وسوريا والبحرين ولبنان وحماس ، وزيارة ساركوزي لسوريا ومطالبته إياها بالتدخل ، وهذا لا يعيب إيران وسوريا سياسياً بمحاولة التخلص من مشاكلهم الخارجية ورميها على أكتاف العرب وإنما يعيبهما أخلاقياً ..لكننا في زمن مسخ لا مكانة فيه للأخلاق لذا لا داعي للومهما .
نأتي للدور المصري المهترئ والذي ينحدر يوماً بعد آخر بسبب إهمال القيادة المصرية الدور الخارجي مكتفية بصراعاتها مع المعارضة وكبتها للحريات من أجل تمهيد الطريق للوريث جمال مبارك .
واحسرتاه على السياسة الخارجية المصرية التي كانت في أوج قوتها في العصر الناصري حين كانت مصر قائدة العرب الفعلية التي لا تستطيع أي دولة عربية شق عصا أمرها ، أو إفريقياً حيث سيطرت مصر سياسياً على القارة اللهم عدا دولة أو دولتين ، ناهيك عن فرض احترامنا على الغرب من خلال حركة عدم الإنحياز التي أسسها ناصر مع الزعيم الهندي نهرو أو من خلال اشتراكنا بفعالية في صراع القطبين بعد المساندة اللامحدودة التي لقيتها إسرائيل من الولايات المتحدة آنذاك ، ولا يعيب عبد الناصر خسارة معاركه الحربية بجيش لدولة نامية فرض عليه القتال أمام أعتى القوى العالمية عدة مرات ، وكذلك كان السادات الذي كان يلعب بأوراقه السياسية الواقعية باحترافية شديدة وإن كان يعيبه رضوخه في بعض الأحيان لمطالب الشيطان الأمريكي من أجل تحرير آخر شبر في سيناء كما يعيبه طعن الاتحاد السوفييتي في ظهره في التحالف السري الذي شارك به خلال الحرب الأفغانية ضد السوفييت .
أما الآن فأمن مصر القومي مدمر عن آخره ولننظر إلى الخريطة السياسية المصرية الممتدة جنوباً عبر عمقها الإفريقي لنجد أن دارفور في يد الأمريكان والإسرائيليين بسبب تخاذلنا في مساندة الحكومة السودانية وخلافاتنا معها المتعددة مما جعلها تخسر أمام قوى المعارضة السودانية المتحكمة في الجنوب وهذا سيشكل تهديداً على السد العالي ونهر النيل هذا إذا أضفنا له التحالف الإثيوبي الإسرائيلي ، دعونا ننتقل يميناً قليلاً تجاه القرن الإفريقي حيث تقبع أكبر قاعدة أمريكية في إفريقيا وهي التي في جيبوتي حيث يوجد بها أكثر من 2000 جندي أمريكي مجهزين بكافة الأسلحة ، ناهيك عن قراصنة الصومال وتهديدهم لأمن مصر الاقتصادي المتمثل في قناة السويس وهذا ما اتضح في انخفاض إيرادات مصر من القناة في آخر 3 شهور من عام 2008 كما ذكر رئيس هيئة قناة السويس في تقريره السنوي ، وإذا جنحنا يميناً سوف نجد التهديد الإسرائيلي والذي كانت كل حروبنا معه في العصر الحديث والذي لا يجب الإرتكان إلى أي معاهدة سلام معه كصك أمان من شروره بل المدهش أن يجنح النظام المصري لأبعد من ذلك في بيعه الغاز المصري بثمن أقل من ثمنه الذي يبيعه للمصريين أو من الثمن العالمي بالرغم من حكم محكمة القضاء الإداري مرتين ببطلان تلك الاتفاقية ناهيك عن الكويز والسياح الإسرائيلين الذي يدخلون إلى بلادنا دون أي عقبات كأنهم يتنقلون بين حيفا ويافا بالإضافة لهذا التهديد العسكري هناك تهديد طبيعي ومالي متمثل في سعي كل من إسرائيل والأردن لشق قناة موازية لقناة السويس في خليج العقبة مما قد يتسبب في كوارث طبيعية على جبال سيناء وبالتالي حدوث الزلازل ناهيك عن تفضيل الغرب التعامل مع إسرائيل عنه عن مصر وبالتالي خسارتنا اقتصادياً ، نروح شمالاً لنجد أمامنا قارة أوروبا التي دائماً ما ذكر لنا التاريخ أن معظم الاجتياحات لمصر جاءت عن طريقها ابتداءً بالرومان مروراً بالحروب الصليبية والحملات الفرنسية انتهاءً بالاحتلال البريطاني الذي تم إجلاءه منذ 60 عاماًَ فقط ، بالإضافة لخطر طبيعي متمثل في غرق مدن الدلتا بعد فترة لا تتجاوز العشرون عاماً كما حذر علماء جيولوجيون مصريون كثيرون بما فيهم الدكتور فاروق الباز بسبب الانهيارات الجليدية التي ستحدث في القطب الشمالي ، ننتقل غرباً إلى الجماهيرية العظمى والتي لا أعلم أي سبب لعظمتها ، التي كان المارينز الأمريكي في الثمانينات يقوم بعمليات إنزال دورية داخل أراضيها ليغتال من يشاء والتي أصبحت الآن مهادنة للأمريكان بعد ما سلم لهم مفاعل ليبيا النووي ودمر كل أسلحته الكيماوية العقيد الذي لم يخض حرباً في حياته الفارس المغوار الملهم معمر القذافي.
هذا هو واقع الأمن القومي المصري المؤسف والذي يعلمه القاصي والداني لكن مبارك لا يفزع لشيء سوى عند سماعه بوجود أحد يعارضه لم يتم القبض عليه أو أن حجم ما ينهبه سنوياً هو ورفاقه من بلادنا قد قل شيئاً قليلاً .
نعود إلى الرئيس مبارك الذي ارتعدت فرائسه من خطاب نصر الله الذي وجهه للشعب والجيش المصري مطالباً إيانا بالإنقلاب على ذاك الطاغية ، لنجد الرئيس المصري يرد بخطاباً على خطابه مدعياً فيه البراءة والوطنية وهو من لم نره يلقي علينا مثل تلك الخطابات من قبل في حوادث أكبر فاجعة من أحداث غزة مثل حادثة العبارة التي ترك ضحاياها الألف ومائتين يموتون في البحر وهرَّب مالكها ليجلس بكل وقاحة في إستاد القاهرة يتابع لقاء منتخبي مصر والسنغال في أمم 2006 ، أو حادثة انهيارات تل المقطم وموت أهالي الدويقة أو حتى في أحداث خارجية مشابهة لما يحصل في غزة مثل أحداث لبنان 2006 والتي أدين فيها النظام المصري مثل ما يحدث الآن لكنه لم يخرج بخطاب مثل خطابه الذي رد فيه على خطاب نصر الله خوفاً من أن يسعى الجيش المصري في الإنقلاب عليه .
وبعيداً عن خطاب مبارك الذي أضاف له خطاباً آخر أكثر سخافة عن معبر رفح وتمسكه باتفاقية 2005 ، كان أداء أبو الغيط كارثياً وهزلياً طوال فترة الأزمة وكان أقل وزراء خارجية العرب والعالم فهماً ووعياً لما يقوله أو ذكاءً في تحركاته .
كل هذا يحدث والدم الفلسطيني هو الثمن الذي يدفع يومياً ، العرب يتصارعون فيما بينهم من أجل الخلاص من ذنب هذا الدم بينما تتصارع حماس وفتح على أشلاء دولة تمزقت تحت القصف في محاولة دؤوبة لكل منهما في إقصاء الآخر ، بينما أداء السياسة المصرية لا يقل تخلفاً وفساداً عن أداءها الداخلي ، ولك الله يا شعب غزة .
الكل مدان في هذه لقضية والكل يتاجر بالدم الفلسطيني لصالحه في مشهد هزلي مقزز لم يمر على تاريخ البشرية ، ذاك المشهد الذي كان بإمكاننا تجنبه لو أن القائمين على حكم مصر ليسو مجموعة من هواة السياسة الفاسدين ، فزيارة وزيرة الخارجية الإسرائيلية لمصر قبل اجتياح غزة بيوم واحد هي من دق المسمار في نعش التوحد العربي ، تلك الزيارة التي اختارتها الإدارة الإسرائيلية باحترافية شديدة ولما لا فقد رشحت لها إحدى أهم مسئولين الموساد السابقين ليقوم بها بحرفية عالية من خلال مصافحات الحرباء ليفني لكل من المعتوهين مبارك وأبو الغيط ، وهنا نقطة مهمة تبين لنا مدى التخلف العربي في اختيار مسئوليه والذي فضحه ذكاء ليفني وغباء حارس دورة المياه " أبو الغيط " .
كان من الإمكان تجنب هذه المجزرة لو أن الإدارة المصرية تعاملت باحترافية وذكاء مع تلك الزيارة والتي وقف فيها " خيال المآتى " أبو الغيط صامتاً وهو يستمع لإعلان الحرب الإسرائيلي يتلى بجانب رأسه من قبل الحسناء ليفني والذي اكتفى صاحبنا بالتحديق في جمالها وتسنيدها ولهاناً بضحكاتها ، ولما لا فهو عجوز معتوه مثل كثير من الحكام العرب على استعداد أن يبيع وطنه في سبيل ضحكة رقيعة يسمعها من نساء بني صهيون.
هذه الزيارة تضعنا أمام احتمالين لا ثالث لهما ، إما أن الاستخبارات المصرية كانت نائمة ولم تبلغ القيادات السياسية بنية الكيان الصهيوني في غزو غزة مما وضع ساسة مصر في موقف حرج باستقبال تلك الوزيرة بحسن نية ، أو أن الاستخبارات المصرية كعهدنا بها دائما استخبارات قوية ووطنية قامت بدورها بتبليغ مبارك وصبيه أبو الغيط لكنهما بغباءهما السياسي وقعا في فخ إسرائيل ، وهنا يجب التنويه على أنه من الممكن أن تمتلك جهاز مخابرات على أعلى مستوى لكن تضيع جهوده بسبب غباء من يحكمون وهذا مثال اتضح في كثير من الحالات وأهمها الـKGB السوفييتية قديماً أفضل جهاز استخبارات عرفه التاريخ والذي كان يعمل تحت إمرة بضع من السفهاء أمثال ميخائيل جورباتشوف ، أو جهاز الاستخبارات البريطاني في إرهاصات الحرب العالمية الثانية .
انتهت الزيارة بمرها ومرها وأصبحت الأمة على اجتياح دموي لغزة الفلسطينية بحجة إطلاق حماس صواريخ " بمب " على أراضي إسرائيل ، وهنا لابد من وقفة أمام حماس تلك الحركة المتناهية الغباء السياسي وذلك بسبب رفضها تمديد الهدنة واعتقادها أنها في قوة مماثلة لحزب الله تستطيع أن توقع الخسائر في إسرائيل مثلما فعل نصر الله مع اليهود ، ناهيك عن غباءهم الغير مبرر في الدخول للانتخابات الفلسطينية قديماً بحجة محاربة الفساد الفتحاوي مما نتج عنه فوزهم بالسلطة وخسارة فلسطين لأي يد دولية قد تمتد لمساعدتها إذا ما حصل لها مكروه كما نجحوا بغباءهم في مساعدة إسرائيل بتقسيم فلسطين إلى دولتين هما غزة والضفة الغربية وهذا ما تحاول مصر متمثلة في عمر سليمان رئيس استخباراتها أن تمنعه .
نحن نعلم أن ألف باء سياسة تقتضي على الحمساويين أن يدركوا بأنهم بسبب وصولهم للسلطة وجب عليهم تخليهم عن السلاح واعترافهم بإسرائيل كدولة ذات سيادة مثلما فعل الفتحاويين قبلهم كي يتمكنوا من التفاوض معها ومع الغرب على حقوقهم ، وهذا السبب هو الذي جعل الحكيم الشيخ ياسين عليه رحمة الله يرفض خوض الانتخابات بالرغم من يقينه بأن الفوز حليف حركته كما الشمس حليف النهار ، ولأنه كان يترك السياسة للفتحاويين والمقاومة للحمساويين حتى تستطيع أن تضغط على عدوك بكل الأوراق المتاحة ، أما الآن فقد خسرت فلسطين كل أوراقها بعراك الدجاج بين حماس وفتح على سلطة لدولة غير معترف بها ! .
لا أعلم حقيقة من هو الطرف الذي أجج في رأس هنية رفض التهدئة وأقنعه بقدرته على هزيمة إسرائيل بسلاح بدائي لا يستطيع صد جيش مدغشقر ناهيك عن إحدى أهم القوى العسكرية في العالم ؟! ، ولما لم يقم أحد بإفهام هنية حقيقة موقفه العسكري الذي يكاد يعادل صفراً فهو يستورد سلاحه من حكومة حليفة للغرب وإسرائيل ألا وهي حكومة مصر عن طريق الأنفاق ، ذاك السلاح الذي وجوده مثل عدمه ، على عكس حزب الله الذي فتحت له خزائن السلاح السوري والإيراني خلال سنين طوال .
وماذا كانت المحصلة أكثر من ثمانمائة شهيد فلسطيني ، وأربعة آلاف جريح ، ناهيك عن حجم الخراب والتدمير الذي أصاب البنية التحتية بغزة .
وبعد أن توصل العرب في مجلس الأمن بقرار لوقف إطلاق النار فوجئنا بالحمساويين يرددون كلام وزير خارجية سوريا وليد المعلم بأنهم لن يوافقوا على اتفاق ليسوا طرفاً فيه ، بالله عليكم هل هذا كلام عقلاء ؟! ، ما هذه المكابرة التي تمارسها حركة حماس على حساب الدم الفلسطيني من أجل تحقيق مكاسب مستحيلة من خلال اعتراف العالم بهم كحكومة فلسطينية ، أو انتصار وهمي من خلال إقناع الراي العام العالمي بأن حماس أجبرت إسرائيل على طلب وقف إطلاق النار من خلال قتلها لإسرائيليين لا يتجاوزون عدد أصابع اليدين في حين قتلت الأخرى المئات !!.
نأتي للدور العربي الذي انشق لفسطاطين أحدهما يهاجم مصر والآخر يدافع عن سياسات الاعتدال المتمثلة في مهادنة إسرائيل وطاعة أمريكا ، فخرجت علينا مظاهرات مليونية في سوريا حاملة صور للأسد بشار ويسبون النظام المصري ويدعون للمقاومة في حين أن الجولان لم تطلق فيها رصاصة منذ ما يزيد عن ثلاثون عاماً ناهيك عن اختراقات الطيران الإسرائيلي كل شهر تقريباً للحدود السورية وصولاً إلى دمشق دون تعرضها لبطارية دفاع جوي واحدة ! ، كما خرجت علينا المظاهرات في قطر المطالبة بالنصرة لإخوانهم في غزة في حين أنه لم يقم قطري واحد بالمطالبة بخلع العائلة الحاكمة القطرية التي تتمرغ يومياً في التراب اليهودي طالبة ود الكيان الصهيوني ، خرجت علينا أيضاً المظاهرات في اليمن واقتحم اليمنيون القنصلية المصرية في حين أن اليمن ارتعدت من إريتريا قديماً ولم تستطع مواجهتها بينما يطالب شعبها الآن بمحاربة إسرائيل ! ، كما خرجت علينا المظاهرات في المغرب تطالب بالثأر من إسرائيل وخرج المغاربة المقيمون في بلاد أوروبا بمهاجمة السفارات المصرية في حين أنهم لم يطلقوا رصاصة واحدة على أسبانيا التي تحتل سبتة ومليلة أو يهاجموا سفاراتها ، وكذلك الأردنيون خرجوا في مظاهرات تسب مصر وحكومتها وتهاجم سفارتنا بالأردن في حين لم يقم أردني واحد بمهاجمة الملك القزم عبد الله الخائن ابن الخائن حفيد الخائنين ومواقف عائلته يذكرها التاريخ بكل قذارتها ، حتى السودانيين خرجوا بقيادة البشير المظفر في مظاهرات مليونية لمهاجمة مصر والصمت العربي والإسرائيليين ولم يقوموا بخطوة إيجابية واحدة تجاه بلدهم الخرب من كل أنواع الحروب والصراعات ، مئات من المواقف المتناقضة شقت الصف العربي بسبب غباء الموقف الرسمي المصري ، وانقاد العرب بغوغائية شديدة تجاه سب بعضهم البعض تاركين العدو يمرح ويسرح بطائراته فوق سماء غزة كما خطط وحسب سابقاً .
نأتي للمعسكر السوري الإيراني الذي استغل ما يحدث بقذارة وقحة ليجبر الغرب على التعامل معه واعتباره لاعباً أساسياً في أحداث الشرق الأوسط مما سيجنبهم الغضب الأمريكي مستقبلاً وهذا ما يتضح جلياً في الدور الإيراني الذي تلعبه في العراق وسوريا والبحرين ولبنان وحماس ، وزيارة ساركوزي لسوريا ومطالبته إياها بالتدخل ، وهذا لا يعيب إيران وسوريا سياسياً بمحاولة التخلص من مشاكلهم الخارجية ورميها على أكتاف العرب وإنما يعيبهما أخلاقياً ..لكننا في زمن مسخ لا مكانة فيه للأخلاق لذا لا داعي للومهما .
نأتي للدور المصري المهترئ والذي ينحدر يوماً بعد آخر بسبب إهمال القيادة المصرية الدور الخارجي مكتفية بصراعاتها مع المعارضة وكبتها للحريات من أجل تمهيد الطريق للوريث جمال مبارك .
واحسرتاه على السياسة الخارجية المصرية التي كانت في أوج قوتها في العصر الناصري حين كانت مصر قائدة العرب الفعلية التي لا تستطيع أي دولة عربية شق عصا أمرها ، أو إفريقياً حيث سيطرت مصر سياسياً على القارة اللهم عدا دولة أو دولتين ، ناهيك عن فرض احترامنا على الغرب من خلال حركة عدم الإنحياز التي أسسها ناصر مع الزعيم الهندي نهرو أو من خلال اشتراكنا بفعالية في صراع القطبين بعد المساندة اللامحدودة التي لقيتها إسرائيل من الولايات المتحدة آنذاك ، ولا يعيب عبد الناصر خسارة معاركه الحربية بجيش لدولة نامية فرض عليه القتال أمام أعتى القوى العالمية عدة مرات ، وكذلك كان السادات الذي كان يلعب بأوراقه السياسية الواقعية باحترافية شديدة وإن كان يعيبه رضوخه في بعض الأحيان لمطالب الشيطان الأمريكي من أجل تحرير آخر شبر في سيناء كما يعيبه طعن الاتحاد السوفييتي في ظهره في التحالف السري الذي شارك به خلال الحرب الأفغانية ضد السوفييت .
أما الآن فأمن مصر القومي مدمر عن آخره ولننظر إلى الخريطة السياسية المصرية الممتدة جنوباً عبر عمقها الإفريقي لنجد أن دارفور في يد الأمريكان والإسرائيليين بسبب تخاذلنا في مساندة الحكومة السودانية وخلافاتنا معها المتعددة مما جعلها تخسر أمام قوى المعارضة السودانية المتحكمة في الجنوب وهذا سيشكل تهديداً على السد العالي ونهر النيل هذا إذا أضفنا له التحالف الإثيوبي الإسرائيلي ، دعونا ننتقل يميناً قليلاً تجاه القرن الإفريقي حيث تقبع أكبر قاعدة أمريكية في إفريقيا وهي التي في جيبوتي حيث يوجد بها أكثر من 2000 جندي أمريكي مجهزين بكافة الأسلحة ، ناهيك عن قراصنة الصومال وتهديدهم لأمن مصر الاقتصادي المتمثل في قناة السويس وهذا ما اتضح في انخفاض إيرادات مصر من القناة في آخر 3 شهور من عام 2008 كما ذكر رئيس هيئة قناة السويس في تقريره السنوي ، وإذا جنحنا يميناً سوف نجد التهديد الإسرائيلي والذي كانت كل حروبنا معه في العصر الحديث والذي لا يجب الإرتكان إلى أي معاهدة سلام معه كصك أمان من شروره بل المدهش أن يجنح النظام المصري لأبعد من ذلك في بيعه الغاز المصري بثمن أقل من ثمنه الذي يبيعه للمصريين أو من الثمن العالمي بالرغم من حكم محكمة القضاء الإداري مرتين ببطلان تلك الاتفاقية ناهيك عن الكويز والسياح الإسرائيلين الذي يدخلون إلى بلادنا دون أي عقبات كأنهم يتنقلون بين حيفا ويافا بالإضافة لهذا التهديد العسكري هناك تهديد طبيعي ومالي متمثل في سعي كل من إسرائيل والأردن لشق قناة موازية لقناة السويس في خليج العقبة مما قد يتسبب في كوارث طبيعية على جبال سيناء وبالتالي حدوث الزلازل ناهيك عن تفضيل الغرب التعامل مع إسرائيل عنه عن مصر وبالتالي خسارتنا اقتصادياً ، نروح شمالاً لنجد أمامنا قارة أوروبا التي دائماً ما ذكر لنا التاريخ أن معظم الاجتياحات لمصر جاءت عن طريقها ابتداءً بالرومان مروراً بالحروب الصليبية والحملات الفرنسية انتهاءً بالاحتلال البريطاني الذي تم إجلاءه منذ 60 عاماًَ فقط ، بالإضافة لخطر طبيعي متمثل في غرق مدن الدلتا بعد فترة لا تتجاوز العشرون عاماً كما حذر علماء جيولوجيون مصريون كثيرون بما فيهم الدكتور فاروق الباز بسبب الانهيارات الجليدية التي ستحدث في القطب الشمالي ، ننتقل غرباً إلى الجماهيرية العظمى والتي لا أعلم أي سبب لعظمتها ، التي كان المارينز الأمريكي في الثمانينات يقوم بعمليات إنزال دورية داخل أراضيها ليغتال من يشاء والتي أصبحت الآن مهادنة للأمريكان بعد ما سلم لهم مفاعل ليبيا النووي ودمر كل أسلحته الكيماوية العقيد الذي لم يخض حرباً في حياته الفارس المغوار الملهم معمر القذافي.
هذا هو واقع الأمن القومي المصري المؤسف والذي يعلمه القاصي والداني لكن مبارك لا يفزع لشيء سوى عند سماعه بوجود أحد يعارضه لم يتم القبض عليه أو أن حجم ما ينهبه سنوياً هو ورفاقه من بلادنا قد قل شيئاً قليلاً .
نعود إلى الرئيس مبارك الذي ارتعدت فرائسه من خطاب نصر الله الذي وجهه للشعب والجيش المصري مطالباً إيانا بالإنقلاب على ذاك الطاغية ، لنجد الرئيس المصري يرد بخطاباً على خطابه مدعياً فيه البراءة والوطنية وهو من لم نره يلقي علينا مثل تلك الخطابات من قبل في حوادث أكبر فاجعة من أحداث غزة مثل حادثة العبارة التي ترك ضحاياها الألف ومائتين يموتون في البحر وهرَّب مالكها ليجلس بكل وقاحة في إستاد القاهرة يتابع لقاء منتخبي مصر والسنغال في أمم 2006 ، أو حادثة انهيارات تل المقطم وموت أهالي الدويقة أو حتى في أحداث خارجية مشابهة لما يحصل في غزة مثل أحداث لبنان 2006 والتي أدين فيها النظام المصري مثل ما يحدث الآن لكنه لم يخرج بخطاب مثل خطابه الذي رد فيه على خطاب نصر الله خوفاً من أن يسعى الجيش المصري في الإنقلاب عليه .
وبعيداً عن خطاب مبارك الذي أضاف له خطاباً آخر أكثر سخافة عن معبر رفح وتمسكه باتفاقية 2005 ، كان أداء أبو الغيط كارثياً وهزلياً طوال فترة الأزمة وكان أقل وزراء خارجية العرب والعالم فهماً ووعياً لما يقوله أو ذكاءً في تحركاته .
كل هذا يحدث والدم الفلسطيني هو الثمن الذي يدفع يومياً ، العرب يتصارعون فيما بينهم من أجل الخلاص من ذنب هذا الدم بينما تتصارع حماس وفتح على أشلاء دولة تمزقت تحت القصف في محاولة دؤوبة لكل منهما في إقصاء الآخر ، بينما أداء السياسة المصرية لا يقل تخلفاً وفساداً عن أداءها الداخلي ، ولك الله يا شعب غزة .